قرأت ذات يوم عبارة لجبران خليل جبران تقول "من باب الأدب استمع للبشر جيدا، أما من باب الاحتياط فلا تصدق كل ما يقولون"، وهي عبارة تفتح لنا نافذة على التوازن الدقيق بين الذوق العقلي والذوق الأخلاقي في التعامل مع الآخرين. فالاستماع للناس بإصغاء واحترام هو سلوك من شيم الأدب، ومن دلائل الرقي الإنساني. أن تنصت للآخر لا يعني فقط أن تسمع كلماته، بل أن تشعره بقيمته، بأن له مكاناً في دائرة انتباهك، وأنك لا تتعامل معه بعجرفة أو ازدراء. وهذا ما يعزز الثقة والاحترام المتبادل في العلاقات. لكن في المقابل، فإن العقل لا يترك قلبه وحيداً في الساحة، فليس كل ما يقال يؤخذ على علاته، فبعض الكلمات تقال مجاملة، وبعضها يقصد به التزييف أو التهويل، وبعضها وليد جهل أو هوى، لذا كان الحذر فضيلة، لا من باب الشك المرضي، ولكن من باب فطنة التلقي ونُضج الفهم. جبران في عبارته تلك يضع لنا قاعدة ذهبية: كن مؤدباً في أذنك، حكيماً في عقلك. لا تغلق أذنك عن الناس، ولا تفتح قلبك لكل ما يقال. فبين الأدب والاحتياط تبنى شخصية متزنة لا تخدع بسهولة، ولا تسئ الظن دون مبرر.