أكثر الناس في هذا الزمان لابد وأنهم محسوبون على تيار أو جماعة أو طيف معين، والمشكلة أن كل شخص تقريبا يريد أن يحتل الحقل الفكري الاجتماعي منفردا برأيه ولونه وتصرفاته. ومتى أردت أو حاولت أن تشارك برأيك في هذا الحقل فلابد أن تكون من نفس اللون وعلى نفس الجادة وإلا فإنك ستطرد وتشتم بكل ما أوتي ذوو اللون الواحد من قوة وبأس وفجر في الخصومة. ما المشكلة أن تعترض على شيء وتكون مؤدبا ومتمتعا بالذوق والاحترام مهما ارتفعت وتيرة اعتراضك على ما يطرحه الآخر. بإمكانك، إن كنت تملك المنطق والأدلة والبراهين، أن تتحدث وتحتج، بل وتجادل لكن بشرط ألا تغرف من بئر الإساءة والشتائم الآسنة. وهذا سيدل، بطبيعة الحال، على أنك تربيت تربية جيدة في بيتكم واكتسبت الكثير من الأخلاق الحسنة من خلال رجاحة عقلك وطول تجربتك وحسن مسلك قرنائك الذين تخالطهم وتتأثر بسلوكياتهم. ما لدينا الآن، مما يعرفه الجميع، أن كثيرين إذا فُتح باب للنقاش أو التفكير أو الرأي انطلقوا، كما يفعلون تماما في سياراتهم، بأقصى سرعة ليسبقوا الآخرين إلى (سوء الأدب) وارتكاب الحوادث والآثام القاتلة عندما يتهمون أو يتقولون أو يقذفون محصنا أو محصنة. وكم من الأشخاص باؤوا بشرور أقوالهم حين تجرأوا على الناس واتهموهم بما ليس فيهم لمجرد الاندفاع والجهل وسوء التقدير. ولذلك من المهم أن يعي الناس أن للأشخاص والأنفس والآراء حرمات لابد أن تحترم، وأن يناقش كل شخص قضيته بأدب ليحفظ لذاته وقارها وليحفظ للآخرين أيضا وقارهم. وهذا لن يتأتى إلا إذا اقتنعنا جميعا بأن الدنيا وشؤونها لا يمكن أن تسير على رأي واحد ولون واحد يجمع عليه كل الناس، فالاختلاف من سنن الحياة ومن ملامحها الطبيعية التي لن تتغير مهما رغبنا أو حاولنا. ومن الحكمة أن يكون الخلاف منتجا بدلا من كونه، كما هو الحال الآن، نافيا وهداما ومهددا للسلامة الوطنية والاجتماعية. اختلفوا كما شئتم وافزعوا لمواقفكم كما شئتم، لكن احرصوا، من أجلكم أنتم أولا، لا تفقدوا الأدب وتزايدوا على بعضكم في نسف جباه وآراء غيركم.