الحج، ذلك الركن الخامس من أركان الإسلام، كان لقرون طويلة رحلة محفوفة بالمخاطر والمشاق، خصوصًا لحجاج المناطق البعيدة، الذين كانوا يقطعون الصحارى والجبال على ظهور الإبل، ويواجهون قسوة الطريق، وانعدام الخدمات، واحتمالية الموت قبل بلوغ مكةالمكرمة. واليوم، وفي ظل التطورات التي شهدتها المملكة العربية السعودية، تحوّل الحج إلى رحلة روحانية ميسّرة، تنعم بالأمن والراحة والخدمات المتكاملة، بفضل ما توليه القيادة الرشيدة من اهتمام بخدمة ضيوف الرحمن. في مركز القوز بمحافظة القنفذة، ما زال كبار السن يسترجعون تفاصيل رحلات الحج القديمة، حين كان الحاج يودّع أهله بالدموع والدعاء، وهو لا يعلم إن كان سيعود، كان السفر يتم عبر "حُمر النعم"، وتستغرق الرحلة أسابيع طويلة، وربما يُتوفّى أحدهم قبل أن يؤدي الفريضة. ثم جاءت مرحلة "اللوري"، وهي سيارة من طابقين؛ السفلية مخصصة للنساء، والعلوية للرجال، في مشهد لا يخلو من شدة ومشقة. قبل الانطلاق، كان الحجاج يعدّون زادهم من "الشمير" المصنوع من حب الذرة، والدخن، والتمر، والقهوة، في استعداد كامل لتحمّل الطريق الطويل. وكانت السيارة تمر من بيت إلى آخر في القرية، تُقلّ الحجاج وسط ترديد التلبية، في مشهد مهيب يطغى عليه الخشوع والرجاء. اليوم، تغيّرت الصورة بالكامل. باتت الرحلة من القوز إلى مكةالمكرمة لا تتجاوز الأربع ساعات عبر طرق سريعة مزودة بالخدمات. وهناك قطارات حديثة بين المشاعر، وسكن مريح، ومظلات، وتكييف، وخدمات صحية وغذائية متكاملة. كل هذه التسهيلات تأتي ثمرة لرؤية المملكة 2030، التي يقودها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- برعاية ومتابعة مباشرة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. لقد أصبح الحج في المملكة تجربة استثنائية، تنقل الحاج من مشقة الماضي إلى رحابة الحاضر، بفضل قيادة جعلت من خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن أولوية لا تضاهى. هكذا تتحوّل الذكريات إلى مفارقة جميلة بين زمنين. ومن حق الأجيال الجديدة أن تعي حجم النعمة، وتقدّر الجهود الجبارة التي بُذلت وتُبذل من أجل أن يؤدي المسلمون مناسكهم بكل راحة وأمان. فالحج اليوم، ليس مجرد فريضة، بل نموذج عالمي في التنظيم والخدمة والرعاية.