في لحظة فارقة من التاريخ السياسي والاقتصادي العالمي، وفي ظل تحولات عميقة يشهدها النظام الدولي، انعقدت «القمة الاستثمارية السعودية الأمريكية» لتعكس ليس فقط متانة العلاقات بين الرياضوواشنطن، بل أيضاً لتسلط الضوء على التحول النوعي الذي تشهده هذه العلاقة في ضوء المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية، وتطلعات المملكة الطموحة التي تجسّدها رؤية السعودية 2030. لقد حرصت المملكة العربية السعودية، من خلال هذه القمة، على أن تكون منصة حوار شاملة تجمع بين صنّاع القرار والمستثمرين وقادة الأعمال من كلا البلدين، لبحث فرص التعاون في القطاعات الحيوية التي تُشكّل عصب المستقبل، وفي مقدمتها الطاقة المتجددة، والاقتصاد الرقمي، والتقنية المتقدمة، والصحة، والتعليم، والذكاء الاصطناعي، وغيرها من المجالات ذات التأثير الاستراتيجي. وتُعد هذه القمة امتدادًا لمسار طويل من التعاون الثنائي، إلا أنها في الوقت ذاته تؤسس لمرحلة جديدة يتحول فيها الاستثمار من كونه هدفًا اقتصاديًا بحتًا إلى كونه أداة استراتيجية لبناء تحالفات مستقبلية تعيد تشكيل التوازنات الإقليمية والدولية. وفي هذا السياق، يُبرز الجانب السعودي القمة كجزء لا يتجزأ من رؤيته الوطنية الطموحة، التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد، وتمكين القطاع الخاص، وجعل المملكة مركزًا عالميًا في الابتكار والتقنية والطاقة النظيفة. أما الجانب الأمريكي، فقد عبّر عن اهتمامه الكبير بتعزيز وجوده الاستثماري في المملكة، والمساهمة في مشاريع ضخمة تتوافق مع المعايير البيئية والتقنية العالمية. وحول ذلك قال رئيس تحرير صحيفة الوفد المصرية سابقاً سليمان جودة: «أعتقد أن هذه القمة التي تنعقد على أرض المملكة العربية السعودية، «القمة الأمريكية السعودية وبعدها القمة الأمريكية الخليجية، هي قمة مهمة وسوف يؤرخ لها لاحقاً على أنها أحدثت تحولاً في العلاقات الأمريكية السعودية بشكل خاص، وأيضاً العلاقات الأمريكية الخليجية بشكل عام. وهي طبعاً قمة لها أبعاد متعددة ومتنوعة، لكن البعد الأهم فيها هو البعد الاقتصادي، وأيضاً البعد السياسي. من جهته وصف الكاتب والباحث السياسي التونسي الجمعي قاسمي «زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى المملكة بالحدث المفصلي في سياق التحديات الجيوسياسية الجسيمة ومتعددة الأبعاد التي فرضتها المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة العربية، والعالم بأسره». واعتبر أن سياقات هذه الزيارة بدلالاتها السياسية الهامة، وبتوقيتها الذي أكسبها بعدا إقليميا ودوليا متعدد المسارات، جعلت مختلف الأوساط السياسية العربية والإسلامية، ومعها دوائر صنع القرار في مجمل المنطقة، تُعدل اتجاه بوصلتها نحوها لمُتابعة نتائجها وما ستفرزه من تفاهمات واتفاقيات. وأعرب عن اعتقاده بأن اختيار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المملكة كمحطة أولى في أول جولة خارجية له منذ عودته إلى البيت الأبيض، تعكس حقيقة الدور المحوري الإقليمي والدولي للسعودية في هذه المرحلة التي تسارعت فيها وتيرة التحولات السياسية. وأشار مدير تحرير الأخبار حازم الشرقاوي «أن منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي الذي ستشهده العاصمة الرياض بحضور عدد كبير من الوزراء في الحكومة السعودية، خاصة الأمير عبدالعزيز بن سلمان ووزير الاستثمار خالد الفالح، وأيضاً بعض الوزراء وكبار التنفيذيين في الشركات الأمريكية، سيسهم في إيجاد نوع من الشراكة الاستثمارية بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدةالأمريكية. وقال المملكة تشهد تحولات ضخمة وكبيرة في مختلف المجالات، وخاصة في الجانب الاقتصادي. حيث أن هناك توجها في المملكة إلى الاهتمام بالذكاء الاصطناعي، والطاقة، وهناك اهتمام كبير بالطاقة النووية. وأعتقد أنه يوجد ترحيب وتعاون كبير من الشركات الأمريكية ومن الإدارة الأمريكية في توفير الاستثمارات المشتركة، سواء كانت داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية أو من خلال توطينها داخل المملكة العربية السعودية. وأفاد خالد ال شلوان «لا تنحصر أهمية قمة الاستثمار السعودية الأمريكية في أرقام الاتفاقيات أو مجالات التعاون، بل تكمن في بعدها السياسي العميق، إذ تمثل القمة منصة لإعادة ترسيم العلاقة بين الرياضوواشنطن وسط تحديات إقليمية ودولية متصاعدة. ومن خلال استقطاب الاستثمارات الأمريكية إشارات اطمئنان إلى الداخل والمجتمع الدولي على حدّ سواء، مفادها أن المملكة قادرة على جذب الشراكات الكبرى رغم تقلبات أسعار النفط والضغوط المالية. من جهة أخرى أوضح نائب رئيس لجنة الصناعة والطاقة في غرفة الرياض سعود الصعنوني «متفاعلون مع شركائنا من الجانب الأمريكي، من خلال عدد من الاتفاقيات ومشاريع الأعمال والمناسبات بيننا. وما نراه اليوم هو تأصيل لدور المملكة، وتأكيد على كونها مركزاً إقليمياً ودولياً وعالمياً، يسهم بشكل بالغ في تحريك الاقتصاد العالمي. وهذا المنتدى يؤكد على ترسيخ العلاقات بين المملكة وأمريكا، تلك العلاقات التاريخية التي امتدت لعقود، وتأكيدا على دور المملكة الفاعل في العالم والمجتمع الدولي، سواء في شقيه السياسي أو الاقتصادي. من جهته قال عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي وعضو مجلس الدولة في سلطنة عمان «تشكل جولة الرئيس الامريكي ترمب إلى المملكة العربية السعودية وعدد من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أهمية سياسية واقتصادية كبيرة في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة. ولاشك أن السعودية من خلال ثقلها السياسي والاقتصادي والاسلامي تشكل محطة هامة لأول زيارة خارجية للرئيس ترمب ومن هنا فإن المحادثات السعودية الأمريكية تعد على جانب كبير من الأهمية سواء على صعيد المصالح الاستراتيجية بين واشنطنوالرياض أو على صعيد القضايا العربية ذات الاهتمام المشترك كما أن القمة الخليجية الأمريكية التي سوف تعقد في الرياض سوف تعزز من أواصر العلاقات الخليجية الأمريكية حيث تشابك المصالح المشتركة. سليمان جودة سعود الصعنوني خالد آل شلوان حازم الشرقاوي الجمعي قاسمي