أصدرت وزارة المالية في المملكة العربية السعودية تقريرها الفصلي لأداء الميزانية العامة للدولة للربع الأول من السنة المالية 1446/1447ه (الموافق للربع الأول من عام 2025م)، والذي أظهر تسجيل عجز مالي قدره 58 مليار ريال، في وقت بلغت فيه الإيرادات العامة 263 مليار ريال، مقابل مصروفات بلغت 322 مليار ريال. ورغم تسجيل العجز، عكس التقرير مؤشرات إيجابية بشأن صلابة الاقتصاد الوطني، وتطور هيكل الإيرادات، مما يؤكد نجاح السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة السعودية ضمن إطار رؤية المملكة 2030، الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل وتحقيق الاستدامة المالية. تفاصيل الإيرادات: تنويع حقيقي يتقدم بثبات وبلغت الإيرادات النفطية خلال الربع الأول من عام 2025 حوالي 149 مليار ريال، فيما سجلت الإيرادات غير النفطية نحو 113 مليار ريال، وهو ما يشير إلى استمرار جهود المملكة في تنمية القطاعات غير النفطية وتحسين كفاءة التحصيل. وبذلك يشكل الناتج غير النفطي حوالي 43% من إجمالي الإيرادات، مما يعكس فعالية السياسات المالية في تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل، وتوسيع القاعدة المالية من خلال تطوير الأنشطة التجارية والضريبية والاستثمارية. المصروفات: التزام بالتنمية ورفع كفاءة الإنفاق وسجلت المصروفات الفعلية في الربع الأول من 2025 نحو 322 مليار ريال، ويشمل ذلك الإنفاق على مشروعات البنية التحتية، والخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، إضافة إلى دعم البرامج الاجتماعية. ويأتي هذا الإنفاق ضمن التزام الحكومة بدفع عجلة النمو الاقتصادي، وتوفير بيئة معيشية متطورة، مع تعزيز التنمية الشاملة في مختلف مناطق المملكة. كما يندرج ضمن استراتيجية رفع كفاءة الإنفاق العام دون الإخلال بالاستدامة المالية. العجز المالي: منضبط وتحت السيطرة وسجلت الميزانية عجزًا ماليًا بقيمة 58 مليار ريال خلال الربع الأول، نتيجة للفجوة بين الإيرادات والمصروفات. ورغم ذلك، أظهر التقرير أن هذا العجز لا يمثل تهديدًا للاستقرار المالي، بل يُعد جزءًا من التخطيط المالي المرن الذي يراعي التوازن بين النمو والتحول الاقتصادي. وفي ظل هذا العجز، لم تسجل مستويات الدين العام ارتفاعًا مقلقًا، ما يشير إلى قدرة الدولة على تمويل احتياجاتها بطريقة مدروسة دون اللجوء المفرط إلى الاقتراض. المؤشرات الاقتصادية: متانة في مواجهة التقلبات العالمية ويأتي هذا الأداء المالي في سياق اقتصادي عالمي يشهد تحديات متنوعة، من بينها التذبذب في أسعار النفط، والتباطؤ في سلاسل الإمداد، والتضخم العالمي. ومع ذلك، أظهرت البيانات المحلية أن الاقتصاد السعودي لا يزال محتفظًا بمرونته ومتانته، مدعومًا بمشاريع تنموية كبرى مثل "نيوم" و"القدية" و"الرياض الخضراء"، وتحفيز الاستثمار في قطاعات التقنية والسياحة والصناعة. استمرار الالتزام بالاستدامة المالية وأكدت وزارة المالية في تقريرها أن الحكومة مستمرة في تنفيذ سياسات مالية حذرة ومرنة، توازن بين تلبية المتطلبات التنموية والمحافظة على مؤشرات مالية سليمة. كما تواصل المملكة العمل على تحقيق الانضباط المالي وتوسيع الإيرادات المستدامة، بما في ذلك تحسين النظام الضريبي، وتعزيز كفاءة التحصيل، ورفع مستوى الشفافية. نظرة مستقبلية: ضبط العجز وتحفيز الإيرادات وتشير التوقعات إلى إمكانية تقليص العجز خلال الأرباع القادمة، لا سيما مع تحسن أسعار النفط، واستمرار الأداء الإيجابي للإيرادات غير النفطية، وضبط المصروفات الحكومية. وتُعد هذه المؤشرات دلالة على استمرار مسار التحول المالي والاقتصادي للمملكة، بما يحقق التوازن المالي ويعزز النمو المستدام. ويعكس تقرير الميزانية للربع الأول من عام 2025 واقعًا ماليًا متوازنًا، يجمع بين المرونة في إدارة العجز والاستمرار في الإنفاق التنموي، ويُبرهن على أن المملكة تسير بثبات نحو تحقيق تحول اقتصادي شامل ومستدام. فرغم التحديات، تظل أسس الاقتصاد السعودي قوية، مدعومة برؤية استراتيجية تُحدث تغييرًا عميقًا في بنية الاقتصاد الوطني.