الإعلام السعودي يضبط البوصلة

في مشهد إعلامي متغير وسريع، قررت الهيئة العامة لتنظيم الإعلام أن تضع حدًا للفوضى الرمادية بين «التأثير والإعلام»، وشددت الهيئة على أن التسجيل المهني بات شرطًا إلزاميًا لمزاولة المهن الإعلامية. خطوة عميقة، لا تستهدف فقط التنظيم، بل تعكس وعيًا متقدما بأهمية استعادة هيبة المهنة وتحصين المجتمع من المحتوى المضلل وغير المسؤول.
خلال السنوات الماضية، تمدد تأثير مشاهير مواقع التواصل إلى المشهد الإعلامي، وأصبح البعض يقدّم نفسه إعلاميا لمجرد امتلاكه جمهوراً أو كاميرا. لكن هذا الواقع، رغم زخمه، خلق تشوها خطيرا في صورة الإعلام، حيث تداخل الترفيه بالخبر، والإثارة بالمعلومة، والرأي بالشائعة. لذا جاءت هذه الخطوة لضبط الممارسة، وإعادة تعريف من هو « الإعلامي « وفق معايير واضحة ومهنية.
الهيئة لم تكتفِ بالتحذير، بل باشرت اتخاذ إجراءات نظامية ضد غير المسجلين، وهددت بإيقاف الترخيص أو شطبه، مشددة على أن المؤسسات الإعلامية نفسها ستُحاسب إن استعانت بغير المؤهلين. ويأتي ذلك في ظل توجه وطني واضح نحو بناء منظومة إعلامية محترفة، ترتكز على التدريب، والحوكمة، والذكاء الاصطناعي، وتخضع لشراكات دولية تؤهل آلاف الشباب عبر أكاديميات ومراكز تدريب متقدمة.
الرسالة أوضح من أي وقت مضى: الإعلام ليس منبرًا مفتوحًا لمن شاء، بل مسؤولية وطنية وأخلاقية، تتطلب كفاءة ومهنية والتزامًا. وفي بلد تُعاد فيه صياغة القطاعات على أسس متينة، لا مكان للارتجال في صناعة الوعي.
إن ما تفعله المملكة اليوم في ضبط الإعلام ليس تحجيمًا للحريات، بل حماية للمنصة، واحترام للعقل، وضمان لصوت وطني مهني قادر على تمثيل المملكة بوعي وثقة في الداخل والخارج.