ليس من سمع كمن رأى، هذه حقيقة لا لبس فيها، وشخصياً لمستُها واقعاً عندما زرتُ ضمن وفد صحافي حقل الشيبة النفطي، أحد حقول النفط الكبيرة وسط صحراء الربع الخالي في المملكة، الذي اكتشف النفط فيه أثناء حفر البئر الاستكشافية "الشيبة 1" عام 1388ه / 1968م، وهو من النوع العربي الخفيف جدًا، ولكنه أُحيل كاحتياطي حتى عام 1416ه / 1995م. الحديث هنا لن يكون عن هذا الحقل النفطي كحقل نفط، ولكن عن البيئة المحيطة به، والتي جعلت منها شركة أرامكو السعودية نموذجاً فريداً في المزج بين إنتاج النفط والحفاظ على البيئة وتنمية الحياة الفطرية، بل إعادة إحيائها من جديد، وهذه حقيقة واقعية من الصعب تخيلها حتى تراها وتعيش بعضاً من تفاصيلها. حقل الشيبة فريد من نوعه، فقلة من شركات النفط العالمية التي تتصدرها أرامكو تلقي بالاً للحفاظ على بيئة حقولها النفطية حول العالم، لكن أرامكو فعلت ذلك، وبحرفية كبيرة وبجهد غير عادي فاق كل تصور، فهي لم تكتفِ بالحفاظ على البيئة الطبيعية للحقل بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، بإعادة توطين المها العربي الذي كان على وشك الانقراض، ليس في منطقة حقل الشيبة وحسب، بل على مستوى العالم، حيث كان في المنطقة قبل تحويلها محميةً طبيعيةً أربعة أزواج من المها العربي، ولكن تم اتخاذ إجراءات علمية داخلية وخارجية، تم بعدها تكاثر المها العربي بأعداد كبيرة بلغت ثلاث مئة منها، وهذا ليس كل شيء، فالشيبة بها محمية مسيّجة للحياة الفطرية تابعة لأرامكو السعودية، تبلغ مساحتها 637 كم2، وتعيش في المحمية 10 فصائل عربية مستوطنة، و39 فصيلة مدرجة على قائمة وطنية تضم 50 من الفصائل ذات الأولوية العالية من حيث المحافظة عليها، بالإضافة إلى 13 فصيلة مهددة بالانقراض إقليميّاً، أظهرت استطلاعات للتنوع الحيوي انتشار 11 فصيلة من النباتات المحلية، و13 فصيلة محتملة من الزواحف، و18 فصيلة من الثدييات، و176 فصيلة من الطيور، بينها 169 فصيلة مهاجرة. العمل الرائع الذي شاهدناه ينم عن فكر شامل متطور، بحسابات دقيقة وإمكانات تم تسخيرها؛ ليكون ذلك النموذج فريداً من نوعه، ولتثبت أرامكو السعودية أنها أكثر من شركة نفط عالمية رائدة.