«شدو الجبل» مجموعة قصصية للروائي والقاص أ. جمعان الكرت، صدرت مؤخراً عن دار الانتشار العربي، في حوالي (77) صفحة، تحتوي على (19) نصاً قصصياً. وبتنوع المضمون السردي للمؤلف في هذه المجموعات القصصية إلا أنها تعكس أحاديث الناس، وحكاياتهم، والمواقف التي واجهتها في القرية، والتَرَنُّم في الجبل.. وكذلك شجرة اللوز التي تعد من أكثر الأشجار التي تغنى بجمال ثمارها شعراء منطقة الباحة ووصفوا حلاوة طعمها، وبهاء شكلها.. كما جاء في نص «وجه القمر»: أنشد الشاعر بصوته الرخيم: يا لوز جافان الأخضر كنت ضامي وأش أوراك.. لم يكن اللوز وحده حاضراً بل المعنى في بطن الشاعر، اللوز الأخضر أصبح راوياً ومنتشياً كانتشاء الأجساد التي ما إن وقع معنى القصيدة حتى راحت في حلم لذيذ لتهتز الأطراف وتدق الأقدام وترتفع الحناجر بآهات ساخنة يا لوز.. يا لوز هنا انضم سالم إلى صفوف العرضة رافعاً جنبيته المرهفة إلى السماء ويهبط مع ثني جذعه في حركة احترافية، فيما كان محزماً يراقب دقة حركة الأقدام توافقها وانتظامها مع صوت الزير واللحن ويلتفت في حركة دائرية كنمر جبلي ليشاهد كامل صف العرضة ويقفز قفزات متتالية مع ارتخاء جسده تارة وارتفاعه تارة أخرى. توقف ضرب الزير ليكمل الشاعر: يقول جارالله يا وجه القمر وابتسامه مع سهيل اليماني زاد نورك وبهواك يردد سالم أها.. أها يا وجه القمر وابتسامة.. يا وجه القمر وابتسامة فاضت مشاعر المشاركين وزاد نشاطهم دقوا الأرض بأقدامهم ورفعوا السيوف والجنابي وكأنهم في حرب معلنة، حركة جماعية وتوافق وانسجام قوة خفية تدفعهم نحو سر لم يستطيعوا فك رموزه إلا أنها لحظات انتشاء وانشراح، صوت الزير يحمل في ثناياه طرباً ساحراً، والقمر نشر شلال ضوئه في أرجاء المكان وأحجار المنازل تكاد ترقص مع الإيقاع. وعيون جميلة ترقب المشهد من النوافذ مفتوحة وبعيدة، والشاعر تفيض قريحته ليلقي قصائده المنعشة للروح والحب والحياة، امرأة أصابها الشجن وهزها الطرب لتدخل المعراض وكأنها شجرة لوز مثمرة تضج برائحة الحياة وألقت القصيد لتتناهبها الألسن والحناجر. واستمرت تلقي القصيد في مشهد فاتن وتحولت العرضة إلى غيمة جنوبية تهل بالمطر ونهر من ضياء ونسائم عطر لتعود بهم إلى روح الشباب احتفلوا بذواتهم متحررين من كل المتاعب وكأن العرضة جاءت لتغسل أرواحهم وأجسادهم.