أمانة العاصمة المقدسة تكرم بالبيد    دعم المنشآت متسارعة النمو    «إيسار» يناقش استدامة الأعمال    60 % لأرامكو في بترورابغ    السعودية تدعو باكستان وأفغانستان لضبط النفس    ضمن الجسر البري الإغاثي السعودي.. 10 سيارات إسعاف جديدة لمساعدة الشعب السوري    اشتباكات الزاوية.. معركة نفوذ تخلط الأوراق بليبيا    المنتخب الوطني يواصل استعداده للقاء العراق    الاتحاد والهلال والعلا والأهلي إلى نصف نهائي كأس الاتحاد السعودي للكرة الطائرة    كيف تقيم دوري كرة قدم؟    في ذمة الله    الزهراني يحتفل بزواج مازن    السعودية تقود تنسيقاً أمنياً مشتركاً بين البلدين.. تعاون سوري لبناني يفتح صفحة جديدة    العالم السعودي عمر ياغي: دعم سمو ولي العهد أسهم في تحقيقي لجائزة نوبل للكيمياء    «علي كلاي» يجمع الثنائي أحمد العوضي ويارا السكري    بيع 3 صقور ب«428»ألف ريال في معرض الصيد    علماء يطورون تقنية لمراقبة مستويات السكر بالدم    النصر يستعد لمواجهة الفتح بودية الدرعية    العراق يهزم إندونيسيا ويشعل صراع التأهل قبل مواجهة «الأخضر»    مقرر أممي : إسرائيل دمرت كل مباني غزة ويجب عليها أن تدفع مقابل ذلك    المملكة ترحب باتفاق غزة وتثمن دور ترمب    الصين وسويسرا تتفقان على تسريع مفاوضات لتحديث اتفاقية التجارة الحرة بينهما    وصول أكبر سفينة شراعية عربية إلى جدة ضمن رحلتها الدولية    "بوليفارد وورلد" تنطلق بتصميم يوسّع التجربة ويضيف ثلاث وجهات جديدة    المملكة تؤكد أهمية الحفاظ على النظام التجاري متعدد الأطراف    تراث عالمي    «سلمان للإغاثة» يوزّع (650) سلة غذائية في محلية كرري بولاية الخرطوم    نائب أمير الشرقية يعزي الرميح    قصة تصدير شحنة ب1.1 مليار ريال بحجم سيارة    23% زيادة في الغرف الفندقية بالأحساء    خطيب المسجد الحرام: اتركوا فضول الكلام في غير فنه وتخصصه    إمام المسجد النبوي: لا تيأسوا من رحمة الله.. عودوا إليه    إدراج «حياتنا ذوق» و«دليل المعلم» في «عين الإثرائية»    تداول يترقب تحركات جديدة    وكيل إمارة الرياض يحضر حفل سفارة كوت ديفوار    من الغيبوبة إلى الحياة.. رحلة أمل تُروى    الإمارات تتغلب على عُمان بثنائية في الملحق الآسيوي    المعلم البطل الصامت في رحلة التحول الوطني    12 شراكة مجتمعية لمدارس عسير    13 مليون قاصد للحرمين خلال أسبوع    التحايل في الغرب خيانة وهوى    "الكتاب للجميع".. تجربة ثقافية مبتكرة    الأمير عبدالإله بن عبدالرحمن: معرض الكتاب نافذة للمعرفة والإبداع    إصابة مبابي تُبعده عن مواجهة منتخب فرنسا أمام آيسلندا    الأخضر يواصل استعداده للقاء العراق في ختام ملحق تصفيات كأس العالم    صمود الهدنة يكشف مرحلة ما بعد الحرب في غزة    احتفلت بمحاربة السرطان فأنهت حياتها إبرة    المملكة تواصل تقديم المساعدات الإنسانية لغزة وسوريا    ترحيل 11849 مخالفا للأنظمة    القبض على شخص في جازان لترويجه (21) كجم "حشيش"    شعراء سوريا يصدحون في أرض الشعر ب"كتاب الرياض"    علماء روس يطورون طريقة جديدة لمراقبة مستويات السكر    اختتمت جامعة أم القرى أعمال الملتقى العلمي ال25 لأبحاث الحج والعمرة والزيارة    أكتوبر الوردي ينير القطيف للكشف المبكر عن سرطان الثدي    محافظ الطائف يقدم التعازي لأسرة الزهراني    أمير منطقة جازان يستقبل وزير الصحة    الأهالي يعبّرون عن امتنانهم للأستاذ سعيد بن صالح القحطاني: كفيت ووفيت    حدثوا أبناءكم وذكروهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعليم النقد
نشر في الرياض يوم 23 - 12 - 2023

رغم تسلل اليأس أحياناً وفقدي الحماس من إمكانية تعليم النقد، إلا أنني لم أيأس تماماً، لذلك توصلت إلى قناعة آخر فصلين دراسيين أنه لا يمكن تعليم النقد "نظرياً" أي أنه يستحيل أن تصنع ناقداً من خلال تعليمه أدوات النقد فقط، بل هو تعليم تجريبي بحت..
سوف أتحدث عن تجربة تعليم النقد المعماري خلال الثلاثة عقود الأخيرة، فأنا لا أستطيع أن أدّعي أن هذه التجربة كانت ناجحة بالقدر الذي كنت أتمناه. كنت أسأل نفسي باستمرار ما هو الشيء المفقود الذي يجعل من تعليم النقد مسألة غير مجدية؟ وهل النقد يمكن أن يُعلّم أم أنه يولد لدى الإنسان بالفطرة ويتطلب مهارات لم أستطع اكتشافها حتى الآن؟ ما يدعوني لإثارة التساؤل حول هذا الموضوع هو أن هناك من يخلط بين الكتابة حول العمارة وبين النقد، بينما المعروف أن الناقد يجب أن يكون لديه منهج وموقف وليس مجرد كاتب. المنهج يتمثل في الأدوات الفكرية التي يوظفها لتفكيك الظواهر التي تواجهه ولكل ظاهرة منهجها الذي يناسبها، أما الموقف، وهذه المسألة الأصعب، أن يتجرد الناقد من المصالح الخاصة والمواقف الشخصية ويطرح آراءه بصراحة دون انحياز. سألت نفسي هل بالإمكان أن يتعلم أي إنسان أن يكون متجرداً وغير منحاز؟ وهل نستطيع أن نجعل منه صاحب موقف واضح تجاه القضايا التي يتقاطع معها؟
عندما أفكر في كل هذه الشروط التي يتطلبها إعداد الناقد، أشعر ببعض اليأس من فكرة "تعليم النقد" وأراها غير ممكنة. أذكر أن الصديق الدكتور حازم النجيدي، من العراق، ذكر لي أهمية "نقد النقد" وكتب مقالاً حول هذا الموضوع، وقال إنه لا يمكن الوثوق بالنقد دون وجود نقد للنقد. حسب ما يراه الصديق النقد يتعرض بشكل دائم إلى انحياز الناقد وتغليب مواقفه الشخصية على الموضوع. النقد المعماري على وجه الخصوص يتقاطع مع مصالح اقتصادية واسعة مرتبطة بمصمم ومالك المشروع، وفي اعتقادي إنه قريب من النقد السينمائي حتى في تعدد الجوانب النقدية الجمالية والتقنية ومنهج كتابة السيناريو والتصوير وغيرها، وفي العمارة يبدو المبنى عملًا فنيًا خالصًا، ويزيد بأنه مصنوع كي يعيش فيه أو يعمل في الإنسان.
رغم تسلل اليأس أحياناً وفقدي الحماس من إمكانية تعليم النقد، إلا أنني لم أيأس تماماً، لذلك توصلت إلى قناعة آخر فصلين دراسيين أنه لا يمكن تعليم النقد "نظرياً" أي أنه يستحيل أن تصنع ناقداً من خلال تعليمه أدوات النقد فقط، بل هو تعليم تجريبي بحت. قررت مع زميلي في المادة المعماري مشاري البقمي أن نحول مادة النقد إلى منهج دراسي يعتمد على أن يقوم الطلاب في نهاية كل فصل دراسي بعمل مناظرات نقدية تدور حول القضايا العمرانية المعاصرة. ولكن كيف ننقل مهارة الجدل النقدي المنهجي إلى الطلاب؟ وجدنا أن المسألة تحتاج إلى تأنٍ وصبر، فالتعليم من خلال التدريب يحتاج إلى دمج المهارة النظرية والفكرية مع الممارسة العملية، وبالتالي قررنا أن نحول المحاضرات الأسبوعية إلى ورش عمل وتم توزيع الطلاب إلى مجموعات في كل مجموعة أربعة طلاب واختارت كل مجموعة قضية عمرانية معاصرة.
اعتمد الجزء الأول من ورش العمل على الإجابة على 6 أسئلة أساسية في أي تفكير منهجي بدءاً من تعريف القضية إلى تحديد أهم المنظرين والمعماريين الممارسين الذي تعاملوا معها سواء كانوا مؤيدين أو معارضين إلى استخلاص المناهج التي اتبعوها وأخيراً أهم المصادر التي تناولت القضية. هذه الورش تهدف إلى خلق مهارة التأني والصبر ومهارة البحث الاستقصائي، لكنها لم تصل بعد إلى بناء مهارة النقد. الجزء الثاني من الورش هدف إلى التعلم من الجدل بين المنظرين والممارسين وطُلب من كل مجموعة أن تضع خمسة مبادئ أساسية تمثل أهم أركان القضية، وبعد ذلك قام الطلاب بنقل هذه المبادئ إلى مستوى أعلى من خلال تحول هذ المبادئ إلى إطار نظري من خلال العودة إلى المنظرين والممارسين لدعم هذه المبادئ والنموذج الفكري الذي طورته كل مجموعة. المنهج اعتمد على تفكيك الظاهرة Dismantling في الورش الأولى وتركيب الظاهرة مرة أخرى حسب فهم كل مجموعة Mantling في الجزء الثاني من الورش، بحيث يقوم الطلاب في كل مرحلة بالاستعانة بحالات دراسية لتبرير الأفكار والمبادئ والنموذج الفكري الذي اتبعوه.
خلاصة هذه العملية النقدية التجريبية التي امتدت على مدى 15 أسبوعاً هي المناظرة النقدية بين المجموعات الطلابية، وهنا الطالب يمر بتجربتين فمرة يكون مدافعاً عن قضية المجموعة التي هو عضو فيها، ومرة أخرى هو عضو في فريق الضد الذي يجب أن يعمل على هدم الرأي الذي تتبناه إحدى المجموعات التي سيناظرها. مجموعات الضد التي تناظر المجموعات الأساسية كل منها مكون من أعضاء مختلفين تم تشكيلهم من كافة المجموعات الأساسية. بالطبع فكرة المناظرة ليست جديدة لكن فترة الإعداد لبناء المحتوي النقدي والجدلي للمناظرة التي تمتد طوال الفصل الدراسي عبر ورش عمل أسبوعية يقدم فيها جميع الطلاب عروضاً نقدية كان تجربة فريدة وممتعة. يجب أن أنوه كذلك أن الطلاب يقومون بكتابة مقالتين خلال الفصل الدراسي، الأولى في منتصف الفصل وهي عبارة عن واجب منزلي والثانية بعد المناظرة بيوم أو يومين في قاعة المحاضرات ويتبع فيها الطلاب أسلوب "الكتابة العفوية" يقدمون فيها تجربتهم الشخصية طوال الفصل. هنا يتم اكتشاف الفروق الفردية بين الطلاب وتحديد أولئك الذي يتمتعون بمهارة نقدية أكثر من غيرهم. ومع ذلك فلن أدعي أن هذه التجربة تكفي لتعليم النقد، فالمسألة كما أراها تتطلب تدريباً مستمراً وثقافة موسوعية بالمناهج الفكرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.