في وادي الدواسر ألقى الباحث والدبلوماسي الهولندي مارسيل في أحد المجالس عجز بيت من قصيدة للشاعر عبدالله الدندان: (عامرٍ تو الكلاب موردينه) عن متعة القيادة في الجمس بيك أب الذي حل محل الجمل عند الكثير من البدو كما يقول، وكانت الكلاب حسب تعبير الشاعر قد قامت بتصنيعه وتصديره جديدا، معتقدا أن الدندان لم يفعل أكثر من تسجيل واقع قائم، ذلك أن الكفار كدحوا وتعبوا في صناعته والله برحمته الواسعة قضى بأن يجني المسلمون جهودهم، وعلى الكفار في المقابل أن يفرحوا بأن يعطوا مقابل ذلك النفط الذي تفضل الله أن يخزن تحت رمال السعوديين بقيادتها السديدة، كان عرب الخليج خصوصا يستخدمون إسقاطات ظاهرها الشتم والتحقير وباطنها الإعجاب والتبجيل على من صنع أسلحتهم ومركباتهم مع البدايات الأولى لتوريدها، وفي سياق وصف الشاعر عبدالله الدندان فقد سبقته الشاعرة بخوت المرية في قصيدة قالت ضمنها: ما يقرب دارهم كود صنع (الذاهبين) كود حمراً عزمها من صفاة بلوفها و"الذاهبين" هنا يقصدون بها دعوة فناء أو ذهاب دون رجعة. لم يكن على المسلمين أن يقلقوا كما يقول مارسيل بشأن مستقبلهم، إذ سخر الله لهم الكفار لخدمتهم ويبقون دائما في حماية الرب، واستشهد بحادثة حين تورط أحد الزعماء الثوريين في واحدة من حروب الستينات بهدف إضعاف السعوديين فدفع شعبه ثمن استكباره واعتدائه عندما حدث شح كبير في احتياجات بلاده الضرورية أهمها توفر الخبز عندما لجأ مجبرا على تحديد النسل أمام عجز اقتصادي قاتل، ولكن الهولندي عاد بعد هذه الديباجة ليطرح سؤالا مهما على مضيفيه تعليقا على قصيدة الدندان: هل أنا كلب أو وغد؟ وهنا التقط السؤال فلسطيني من غزة يعمل في مكتب مضيفهم، وقال بلهجة تصالحية: إن كثيرا من البلدان العربية تتعايش مع جميع الأديان بسلام في ظل الاحترام المتبادل. ولكن مضيفهم حمل عليهم جميعا، وقال: الدندان مصيب بالطبع ولكنهم في الوادي مستعدون للتعامل مع الضيف بصفته كائنا بشريا. وعلق نسيب للمضيف حاضرا في المجلس بأنه كان يقع أحيانا تحت إغراء الكفار، وقد استمع مؤخرا من إذاعة مونتي كارلو العربية إلى عالم دين مسيحي يجادل بأن من الأفضل تنظيف إناء الطبخ من الداخل ثم من الخارج (ربما كان المقصود عند الرغبة في استخدامه بعد صاحب ديانة مخالفة لعقيدته)، وهذا الجمع بين الإشارات العملية والمعاني الأعمق كما يقول استهواه على نحو لا ينكر، ولكنه كان يخشى أن يكون الاستماع إلى هذا التصوير من فم مسيحي خطيئة عند الله وسيكون عليه أن يدفع جزاء ذلك في الآخرة حيث الأصوات القادمة عبر الأثير لا تخلو من الخطر وكان هناك اتفاق عام على ذلك. قال آخر بحماسة: إن المسلم يبني رصيدا لدى المصرف العظيم في السماء حسب تعبير مارسيل في كتابه البدوي الأخير، وهو ادخار بفائدة عالية المكاسب، يستطيع أن يدفع به رسم الدخول إلى الجنة وغيره. من جهة أخرى يقف هناك صفر اليدين يوم الحساب، وكان يعرف من خبرته الشخصية ما يقول لأنه زار لندن ذات مرة واكتشف هناك إفلاس جميع القيم الإنسانية، فالكبار يهملون آباءهم في شيخوختهم، والصغار ينشؤون بلا رقابة ويفعلون ما يحلو لهم، فالانحطاط والتحلل الأخلاقي هو الواقع الديني لمجتمع أخرج حتى المرأة من البيت، وهو مجتمع لم يعد فيه مكان ووقت للألفة والتربية بحقائق الوحي المنزلة والعناية بالقريب المحتاج، لأن الظلام والجهل والبؤس الروحي هي الأمور السائدة.. هناك أصر عبدالله إلا أن يطرح سؤالا على الضيف: قل لي بصدق هل صحيح أن الرجل والمرأة في بلادكم يلتقيان على انفراد من دون زواج ومن دون حضور الوالدين أو الأقارب؟ فكان سؤال الضيف المقابل هو- أليس هذا أفضل من تعدد الزوجات والطلاق الكثيرة عندكم؟! رفض عبدالله تلك المقارنة قائلا: ما قضى به الله وحده هو الفصل في ذلك، والإسلام الحق لا يبيح للمرأة أن تراها عين غريبة، قال آخر: تعال معنا إلى المسجد للصلاة بعد قليل، كن مثل العمال الفلبينيين والتايلنديين الذين اهتدوا جميعا، سترى أي راحة تشعر بها فيما بعد، وأي عبء أزيح عن كاهلك، وحين تذهب إلى القاضي لتسجيل هدايتك سندعو كل أبناء المدينة إلى وليمة ونخدمك بعيوننا، إن اهتمامك بالأدب الشعبي واللغة العربية رائع ولكن أي فائدة تجنيها من ذلك مقارنة وأنت غير مسلم، ألا تخاف نار جهنم الحامية يا هذا؟ خف الله يا أخينا. رد الضيف قائلا: سأفعل إن شاء الله ما بوسعي، عندما تحرك شيخ من أعمام عبدالله وضرب عصاه بالأرض متأففا، وهو يقول إنك جمعت الكثير من قصائدنا، والآن لا أريد منك إلا كلمة واحدة "لا إله الا الله محمد رسول الله"، ويختم مارسيل: هنا أعربت عن الأمل في أن يلقى جميع الأخيار مؤمنين وغير مؤمنين جزاءهم العادل، أما الباقي فقد شعرت بأن علينا بكل بساطة أن ننتظر ونرى ما يحدث بعد الموت. السيارة حلت محل الجمل الدندان