المعتاد أن الرسائل تسافر من مكان إلى مكان، الفرادة في رسائل تسافر من زمان إلى زمان آخر، تأتي من الماضي لتصل إلى الحاضر عابرة من خلال النقوش والآثار والدلالات الثقافية، ناقلة صورة عن الأمس حتى لا ينتهي، ويستمر في الآن والمستقبل بكل تفاصيله، امتداد في عمر التفاصيل وتقليص للفجوة بين الأجيال، وهو ما جسّدته هيئة التراث في الملتقى العلمي "موقع نحت الجمل وأهميته الثقافية من منظور عالمي"، على مدى يومين "28-29" سبتمبر في جامعة الجوف، بمشاركة نخبة من الخبراء والباحثين المختصين في الشأن التراثي والثقافي على المستويين المحلي والدولي. نحت الجمل الذي يصوّر الإبل بحجمها الطبيعي، يمثّل وجهة للتعريف بالمواقع الأثرية عند المختصين وتحفيزهم للبحث، وتقديم تصوراتهم المثرية، وواجهة للاحتفاء بكافة المشاركين في الإبلاغ عن الموقع، والمساهمين في الدراسات والبحوث التي تناولت المنحوتات الصخرية في تأكيد أن المعلومات مؤثّرة وفاعلة وتستحق الثناء، إلى جانب مشاركات متنوعة لمختصين من مدارس وتجارب مختلفة. آراء لعلماء آثار شاركوا في الملتقى العلمي تتفق على أن جميع التصاوير في نحت الجمل هي بأدوات حجرية، وأن الموقع كان مأهولاً في العصر الحجري الحديث بناءً على تواريخ الكربون المشع على عينات التنقيب، فيما سقطت واجهات المنحوتات عام 1000 قبل الميلاد كما يشير تأريخ الضوء المحفز، وهو ما يؤكّد تميز الفنون الصخرية في شمال غربي المملكة العربية السعودية بالتنوع والثراء في توثيق أنشطة الإنسان، وما يرتبط بها من دلالات بيئية منذ عصور ما قبل التاريخ حتى العصور الإسلامية، باعتبار أن صور الجمال على الصخور دلالة على أهميتها الرمزية والاقتصادية في المجتمعات، غير دلالاتها الرمزية عن البيئة، كشواهد تاريخية لتكيف الإنسان مع بيئته عبر العصور. حالة من الحراك والتفاعل المعرفي والخبرات الأكاديمية والعملية قدمها ملتقى نحت الجمل في الجوف، لتكشف هيئة التراث من خلاله عن كنز ثمين، وموروث أصيل في تاريخ الجزيرة العربية، ودلالة رمزية لأبناء المكان منذ أمد بعيد، وحتى اليوم في الارتباط بالجمل وقيمته في الحياة وتفاصيل الذاكرة.