للمكتبات مع أصحابها قصصٌ ومواقف وأيضًا طرائف وأشجان تستحق أن تروى، "الرياض" تزور مكتبات مجموعة من المثقفين، تستحث ذاكرة البدايات، وتتبع شغف جمع أثمن الممتلكات، ومراحل تكوين المكتبات.. في هذا الحوار الكُتبي نستضيف د. صالح بن حمد التويجري الأمين العام للمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر، للحديث حول مكتبته التي تحتوي على كُتب الشِّعر والسياسة والتاريخ خاصة تاريخ صدر الإسلام، كذلك الحضارة الغربية، بالإضافة إلى كُتب الفلسفة، ومختلف العلوم والمعارف، كما تضم كتب تخصصه في مجالات الإدارة والتطوّع والبيئة والمناخ والكوارث والاستعداد لها. * في أي مرحلة من العمر تعرَّفت على الكتاب؟ * تعرفت على الكتاب منذ البدايات الأولى لنشأتي في مدينة المجمعة؛ عندما لم يكن هناك تلفزيون أو وسائل تسلية أخرى؛ مما جعلني أهتم كثيراً بقراءة الكتب والمجلات مبكراً؛ ومن حسن حظي أنني عشت في بيت كانت فيه مكتبة خاصة صغيرة أسسها عمي محمد - رحمه الله - الذي كان واسع العلم كثير القراءة حيث كانت تحتوي على بعض الكتب التي تستهويني في صغري؛ وحرصت على قراءة ما تحتويه المكتبة الخضراء في منزل أهلي من كتب لقصص الأطفال؛ وكنت أجد فيها متعة وترفيهاً وتسلية؛ ما دفعني لقراءة أي قصة أطفال أكثر من مرة؛ لأني كنت أسعد كثيراً بتقمص شخصية أبطال هذه القصص؛ وأذكر أنني بعد ذلك بسنوات قليلة - أي بعد أن تخطيت مرحلة الطفولة - كان لا بد أن أنغمس في قراءة كتب أخرى تناسب مرحلتي العمرية الشبابية آنذاك؛ وكانت البداية كتاب «البؤساء» المترجم من اللغة الفرنسية لمصطفى المنفلوطي؛ وأعجبت جداً بأسلوبه في كتابة القصص؛ وتصوير شخصياتها بشكل جذاب يجعلني أدرك أن أبطالها حقيقيون وليس مجرد شخوص وهمية؛ مما جعلني أبحث عن رواياته الأخرى وأقرأها. بعد ذلك كانت قراءاتي لكتب متنوعة لعدة مؤلفين أذكر منهم عباس محمود العقاد وطه حسين وغيرهم؛ وكنت أجد فيها معارف جديدة تفوق المعارف السائدة لدى الكثير من الناس في ذلك الوقت؛ وحفزني ذلك على الاستمرار في القراءة؛ وأذكر أنني كنت شغوفاً بقراءة المجلات ولذلك كنت على علاقة بصاحب مكتبة قريبة من منزلنا؛ يحتفظ لي ببعض المجلات مثل العربي والنهضة وآخر ساعة والمصور وروز اليوسف؛ وكنت أستمتع بقراءة المجلة من بدايتها إلى نهايتها؛ ولم أكتف بذلك بل كنت أحرص على تبادل الكتب والمجلات مع أقراني؛ خاصة أننا كنا نفتقد لوسائل الترفيه في ذلك الزمن. * هل تستطيع تحديد بعض بدايات تأسيس مكتبتك المنزليّة؟ * في واقع الأمر لم أسس هذه المكتبة المنزلية التي وضع لبناتها التأسيسية الأولى عمي محمد وإخوتي الأكبر مني في العمر؛ وأثناء فترة ابتعاثي العلمي إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال (10) سنوات انقطعت عن قراءة الكتب والمجلات العربية؛ ويرجع ذلك لانشغالي بدراسة التخصص؛ ولكن بعد أن عدت من أمريكا بدأت أهتم بتأسيس مكتبتي الخاصة وتزويدها ببعض الكتب والمؤلفات والمراجع؛ حيث رجعت محملاً بالعديد من المراجع التي درستها وغيرها من الكتب التي جلبتها معي من هناك؛ وبعد ذلك بدأت في اقتناء الكتب المتنوعة المعارف؛ وأحرص باستمرار على إثرائها بالمزيد من المراجع. * حدثنا عن دور والدك في الحث على العلم ومكارم الأخلاق وتأثير ذلك على حياتك العلمية؟ * كان والدي - يرحمه الله - في ذلك الوقت مديراً لمالية المجمعة وسدير؛ وكان يسمى آنذاك ب»راعي بيت المال»؛ وحيث إنه لم يكن هناك مكتباً مستقلاً لمالية المجمعة وسدير فقد كان بيت أهلي هو مكان عمل والدي ويفد إليه البدو والحضر من كل مكان من المنطقة؛ وكانت مجالس هؤلاء والسماع إلى أحاديثهم مدرسة بحد ذاتها فلا تخلو مجالستهم من قصص عن مكارم الأخلاق والقصص والشعر؛ وكان والدي - رحمه الله - لا يمل من الحديث عن الملك عبدالعزيز وفروسيته وحنكته وشجاعته وبعد نظره وحكمته؛ خاصة أنه قد عاصره وكان في جيشه وشارك معه في أكثر من (6) معارك رئيسية لتوحيد المملكة؛ كما كانت هناك جلسة علمية يومية تعقد في بيت أهلي بعد صلاة المغرب وتستمر حتى إقامة صلاة العشاء؛ يتحدث فيها عدد من طلبة العلم عن مكارم الأخلاق والاستقامة والفضائل وعلوم الدين بشكل عام واعتقد أن هذه التجارب في سني الصغير كان لها تأثيراً بالغاً في حياتي بشكل عام. * ما أبرز المنعطفات التي رافقت شغفك بالكتاب؟ * كما ذكرت لك بدأت المكتبة صغيرة باسم «المكتبة الخضراء»وتطورت لاحقاً وأصبحت تضم كتب روايات وقصصا؛ ومع توسع دائرة اهتماماتي وتطور مشواري العلمي بعد أن سافرت إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية أصبحت أهتم باقتناء وقراءة الكتب الإنجليزية في مجال تخصصي أو في خارجه؛ أما حالياً فإن قراءاتي أصبحت محصورة في مجال تخصصي ودائرة اهتماماتي الخاصة بمجال عملي؛ حيث إنني من المهتمين جداً بالشأن الإنساني والبيئة وتطوير ثقافة العناية بها والحفاظ عليها من أي مهدّدات؛ لأننا في المنطقة والعالم أجمع نواجه كوارث مدمرة؛ ما يحتّم الاستفادة من الثورة التقنية الكبيرة في الوقت الحاضر في الاستعداد للكوارث والتنبؤ بها قبل حدوثها والاستعداد للاستجابة لها؛ خاصة أنها تحصد ملايين الأشخاص حول العالم ومئات الآلاف في منطقتنا سنوياً؛ ولتخفيف عدد ضحاياها وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية في مجتمعاتنا نحتاج لنشر ثقافة التطوع والتكافل الاجتماعي؛ ما جعلني أهتم كثيراً بهذا التوجه؛ حيث ركزت من خلال مؤلفاتي وكتاباتي في الصحافة على مواضيع متعلقة بالتطوع والبيئة والكوارث والاستعداد لها وحسن إدارتها. * هل ساعدتك المكتبة الخاصة بك على التأليف؟ * بالطبع ساعدتني المكتبة الخاصة كثيراً في إعداد الكتب والبحوث؛ وأشير هنا إلى أن المراجع التي أستند عليها هي كثيرة في مؤلفاتي التي أحرص أن أوثق فيها كل بصماتي وأفكاري ليستفيد منها القارئ والباحث؛ وأسعد كثيراً بأن كتبي أصبحت مراجع متاحة للمهتمين والباحثين للاستفادة منها. * كم بلغ عدد مؤلفاتك حتى الآن؟ ومتى صدر لك أول كتاب؟ وما هو؟ * لديَّ أكثر من (6) مؤلفات؛ والعديد من الأبحاث المنشورة منها كتاب «ويسألونك عن الإدارة»؛ وفيه تحدثت عن مفهوم وفنون الإدارة الناجحة؛ وكتاب «الكوارث والأزمات - التخطيط الاستعداد - الإدارة» ركزت فيه على دور التخطيط الاستراتيجي في مواجهة الكوارث؛ ونُظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد في مواجهة الكوارث والاستعداد لها وإدارة أخطارها واستراتيجية التعامل مع الأزمات؛ وكتاب «تحدي القرن - البيئة والتغيّر المناخي» وتضمن عدة أبواب عن جدلية العلاقة بين الإنسان والبيئة؛ وتغيّر المناخ بين آفاق التوقع ويقين الحدوث؛ وأسباب التغيّرات المناخية العالمية؛ وانعكاس الآثار السلبية للتغيّرات المناخية؛ وكيفية مواجهة تغيّر المناخ؛ وكتاب «التطوع - ثقافته وتنظيمه» وركزت فيه على أهمية نشر ثقافة التطوع بين الشباب لتحفيزهم على الانخراط فيه لخدمة العمل الإنساني؛ وكتاب «العمل التطوعي - آفاق وتطلعات» وركزت فيه على ضرورة الاهتمام بالتطوع ووضع الآليات والإجراءات الداعمة له؛ خاصة أنه أصبح معياراً لمدى رقي المجتمع ووعي أفراده؛ وكان قد صدر لي أول كتاب عام 1410ه أعددته بالمشاركة مع أحد الزملاء؛ وهو مقرر علمي كان يدرس في المعاهد والكليات الصحية آنذاك. * هل طرافة الكتاب أو طرافة موضوعه من معايير انتقائه؟ * يحرص المسوقون والمروجون للكتب على اتباع طرق تسويقية عديدة لتحفيز إقبال القراء على شرائها؛ ومن تلك الطرق اختيار عناوين جذابة للكتاب؛ وتصميمه بشكل فني جميل؛ وكتابة محتوياته بأبناط واضحة لتسهيل قراءتها؛ وإخراج الغلاف بشكل جذاب وغير ذلك من الوسائل الترويجية المحفزة للإقبال على اقتناء الكتب. * هل يوجد من قراءاتك كُتب لا تزال عالقة في الذهن؟ وما أسلوب الكاتب الذي يعجبك؟ * نعم في واقع الأمر هناك كتب كثيرة أعجبت بها ولا زالت عالقة في ذهني؛ ومعظمها ممتازة؛ وتستهويني قراءتها كثيراً؛ ومنها كتب من تأليف عباس محمود العقاد وطه حسين ومصطفى لطفي المنفلوطي الذي أحب كثيراً قراءة رواياته حيث إنه يشدّ القارئ بأسلوبه الماتع في كتابة القصة. * ماذا تفضل.. المكتبة الورقية أو الرقمية؟ وما السبب؟ * أنا أنتمي إلى جيل يحب تقليب الصفحات والخربشة كذلك على الورق بالملاحظات والتعليقات؛ ولكن يظل الرجوع إلى المكتبة «الكتب» الرقمية أسهل؛ لكن قد يكون هناك سبب أكثر وهو الشعور بمتعة أكثر وتعايش مع الكتاب الورقي. * ما رسالتُك التي توجهها لكلِّ من يملك مكتبة خاصَّة؟ * نصيحتي لصاحب كل مكتبة خاصة بأن يسعى لتنويعها باستمرار بإضافة أي إصدارات جديدة لتكون دائماً ثريّة بالمؤلفات؛ كما أنصحه بتطبيق نظام لإعارة الكتب لتشجيع وتحفيز الأصدقاء والمعارف على تنمية ملكاتهم العلمية والثقافية والإبداعية؛ كما أن نظام الإعارة يضمن لصاحب المكتبة إعادة الكتب المعارة ليستفيد منها آخرون؛ إضافة لذلك يمكن الاستفادة من التقنية الحديثة في نشر محتويات المكتبة ووضع نظام الإعارة ليطلع عليه القراء ويختارون الكتب التي يودون طلب إعارتها وإعادتها بعد قراءتها. وأشير هنا إلى أنه بفضل التقنية الحديثة أصبحت عملية البحث العلمي أسهل بكثير مما كان عليه الحال في السابق؛ حيث إن معظم الكتب موجودة في المواقع الإلكترونية؛ ما جعل البحث العلمي يتم دون أي معاناة تذكر كما كان سابقاً قبل الإنترنت؛ وهنا أذكر أننا عندما كنا في كرسي البحث العلمي في الزمن السابق؛ نتعب كثيراً في الحصول على معلومات البحث العلمي؛ وكنا نتوجه إلى المكتبة ونبحث في عناوين الكتب لنختار منها ما يناسب بحثنا؛ فنضطر نقرأ الكتاب كاملاً للحصول على معلومات مفيدة للبحث؛ بخلاف الوقت الراهن فإن الباحث يبحث عن عنوان الموضوع في الشبكة العنكبوتية فيجده بكل سهولة وبشكل أوفى في مراجع ومقالات وتقارير عديدة. * كلمة أخيرة: * أشكر صحيفة «الرياض» على هذا الحوار؛ وأقدر لها تخصيص صفحة من صفحاتها تُعنى بالثقافة والنشر عن الإصدارات الجديدة من الكتب والرسائل العلمية؛ وإنني أعتبر صحيفة «الرياض» هي أكثر من أن تكون جريدة إخبارية؛ بل هي مصدر متميز من مصادر الثقافة والعلوم المتنوعة. الضيف في مكتبته د. صالح التويجري خلال لقائه الزميل بكر هذال من مؤلفات الضيف