تفرّد الريادة

خيرية هذه البلاد وتفرّدها وثباتها واستقرارها هو ترجمة واقعية وصادقة لاستمرارية النهج القويم، وثبات القيم في كل الأحوال والظروف، وهو نهجٌ أصيل رسّخه ووتّد أركانه موحّد هذه البلاد وجامع شملها بعد شتات؛ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - الذي جمع أبناء الوطن على كلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وجعلها شعاراً ثابتاً سار عليه أبناؤه البررة ملوك هذه البلاد الكرام، الذين تعهّدوا بمواصلة العطاء والسير على خطى الملك الموحّد والمؤسس للمملكة العربية السعودية؛ فحملوا الأمانة وأدوا الواجب، وحافظوا على المبادئ السامية التي قامت عليها هذه البلاد.
ولعل مما يستدعي الاستذكار دوماً ونقله للأجيال؛ أن المؤسس - رحمه الله - تعهّد خدمة الحرمين الشريفين بالرعاية الدائمة التي بقيت شواهد صادقة على تلك الرعاية والحفاوة بالبيتين الشريفين وخدمة الزائرين لهما من حجاج ومعتمرين، حتى غدت تلك الحفاوة أنموذجاً فذّاً لخدمة الدين الحنيف وللمسلمين في كافة أرجاء المعمورة.
ولم تمنع الظروف القاهرة والشحيحة وقت التوحيد ملك البلاد عن الاضطلاع بالمسؤولية التاريخية التي شرّف الله قادة هذه البلاد بحملها؛ بل إنها تصدّرت أولويات قائد البلاد وأنفق عليها بسخاء نادر، رغم المصاعب التي رافقت بداية التوحيد وانعدام الوسائل المساعدة على الإنفاق أو التعمير وتهيئة الأماكن المقدسة لممارسة الشعائر المختلفة.
الآن وقد عمّ الخير وامتدّ ظلّ العطاء فقد توجّهت مقدّرات البلاد لخدمة هذه الأماكن بشكل أدهش العالم والمنصفين الذين يدركون حجم الجهود المبذولة لتسيير المناسبات الدينية المختلفة خصوصاً شعيرة الحج؛ يتم إدارتها بشكل احترافي منذ عقود عديدة والتعامل مع الملايين المتدفقة من البشر وإدارة حشودهم بأسلوب مبهر لا نظير له.
والأجمل أننا فضلاً عن شرف رعاية الأماكن المقدسة التي تهوي إليها أفئدة ملايين البشر؛ فإننا نغتبط أنّ هذا العمل العظيم يؤدى بحب وحفاوة ترفده خبرات عظيمة متراكمة يتوّجها بذلٌ وإنفاقٌ يؤكد استثنائية قادتنا، وكذلك بلادنا في وقت تتصارع فيه الدول على تنافسيات غالباً غير نزيهة؛ الأمر الذي يرسّخ اليقين بأن قدر بلادنا العلياء وفي صدارة العطاء الذي لا يمنّ ولا يباهي؛ وإنما ينطلق من أهداف نبيلة وقبلها عقيدة سامية آلت على نفسها خدمة المسلمين والإنسانية جمعاء في كل أنحاء العالم.