الساحل المنخفض للجزيرة العربية المواجه للبحر الضحل على خليج العرب كما وصفه الإنجليزي غوري سنة 1935م هو الأكثر شذوذاً فأشباه الجزر ذات الأشكال العجيبة تمتد ملتفة في البحر مثل الأصابع المشوهة إلى جروف اللؤلؤ غير البعيدة. بين الرؤوس البحرية توجد خيوط معومة بشكل كسول من العشب ذي اللون الأحمر الأرجواني. ومن الكتلة البنية والبيضاء من الإبل في الأسفل على الشاطئ صدر أنين ينم عن نفاذ الصبر. كان الضوء الكامل للشمس الغاربة على الجدران البيضاء للبيوت في الطليعة شبه منوم بشدته. بينما كان التحفظ القليل للأمير البدوي (حاكم العقير) عن الحديث الملائم للأوروبيين قد استنزف قبلاً. جاء بعض البحارة إليهم ليروهم الباقي من حصاد الموسم الأخير عند ضفاف صيد اللؤلؤ. كانت اللآلئ في معظمها سوداء صغيرة أو غير متسقة لأن الأفضل يباع بسرعة ويرسل إلى الهند فوراً من أجل تصديره إلى دول العالم. أطلعوه كيف تبرد أصغر اللآلئ في بعض الأحيان وتحول إلى مسحوق من أجل الاستعمال في الأدوية والعلاجات التقليدية للعرب ولا أحد منهم يشك في فعاليته ويقولون إنها أثبتت ادعاءهم بالتجربة الطويلة. ويقوم تجاره بسحق حباته التي لا تصلح للزينة بسبب تعرجاتها وعدم اكتمال خصائصها ليستخلص منه مسحوق طبي حيث استخدم بنجاح منذ أكثر من 3 آلاف سنة إذ كان استخدامه مقتصراً على إمبراطوريات الصين ونساء الطبقة الاجتماعية الراقية اللواتي كنا معروفات ببشرتهن من صفاء وبياض ونعومة تشبه لحد كبير بشرة الأطفال كما كان يستخدم لتقوية أعصاب العين وتنقيتها وصفائها وفي علاج عمى الألوان وفتح قنوات المرارة ولوقف نزيف الدم كذلك لمعالجة تصبغات الجلد والبهاق. عندما انحدرت الشمس برزت كثبان الرمال الذهبية خلف العقير بوضوح فظهرت كثبان هائلة لتعبرها السيارات بصعوبة وكان غوري ومرافقوه متلهفين لأن يبدؤوا رحلتهم إلى الهفوف عاصمة الأحساء كما وصفها. كان ثمة انتظار طويل قبل أن تجهز قافلتهم وحالما انطلقوا بقدر ما يمكن لسيارتهم أن تسير كان سائقهم مثل كل السائقين العرب خبيراً بهذا النوع من القيادة في رمال وعرة فاستمتعوا بمصارعاته مع الريف غير المحدد المسارات ومع السيارة التي كان ينهمها ويشجعها بالصيحات كما لو كان يصيح على جمله أو ناقته!! عند ما تقدموا يخترقون قمة كثيب ضخم من الرمال مروا بشاحنة أخرى تحمل أمتعتهم كانت مطمورة بعمق في الرمل، وكل طاقمها المرافق يحاول تخليصها فيما عبروا هم خوفاً أن تعلق مركبتهم وعندما حل الظلام عبروا إحدى قرى الأحساء على بعد 30 كم، ثم وصلوا حصن الهفوف حيث سرعان ما وصل الجنود حاملو الفوانيس لإغلاقه وإدخالهم مع مسؤول البلاط لإرشادهم إلى الغرف العلوية في الحصن لقضاء ليلتهم. إلى هنا يقول غوري: يرحب العرب بضيوفهم ترحيباً حاراً ويأخذونهم باليد إلى مقر الضيافة مستفسرين في هذه الأثناء إن كانوا قد نجوا من الإرهاق ومصاعب السفر. وصف بعد ذلك مباني الهفوف المقامة على الطراز النجدي المعروف ذي الأقواس العميقة والمزخرفة بالجص المحفور بشدة مثل شريط الزينة في الملاط وكانت نار القهوة مشتعلة والنداء (قهوة) لا ينقطع. جلب صانع القهوة في هذه الأثناء بسرعة إلى موقده حيث كانت دلال (ركوة) القهوة النحاسية البراقة بانتظار تتدرج في الحجم مثل الجنود في طابور وبمسحة من الذراع الأيسر قدم عامل القهوة المنحني قليلاً فناجين القهوة المرة القوية والتي قال إنها تخفف قوتها من إرهاق المسافرين بشكل عجيب. جاء خادم عملاق بعباءة مزهرة مع سيف ذهبي متدل من ذراعه عن طريق معلاق ذراع الحرير الأسود وسلك حريري أسود وفضي اللون جاء من الأمير الشاب سعود بن عبد الله بن جلوي ليطمئن على صحتهم ويهنئهم بسلامة الوصول. وكانت مئذنة مسجد القلعة تومض بلون أبيض شديد على خلفية زرقة سماء الليل في مدخل الباب المفتوح. بعد العشاء اضطجعوا منهكين على أسرتهم إلى أن غلب النوم العقول المشغولة بغرابة عالم جديد قديم. شحن الأمتعة مر في عمق الرمال خزام غرب مدينة الهفوف سعود المطيري