لا خلاف حول "إن أبغض الحلال عند الله الطلاق"، لما لهذه الحالة من تأثيرها النفسي الحزين على الزوجين، وتكون في أصعب حالاتها عندما يكون هناك أطفال بينهم، فقد لا يكون الطلاق نهاية سعيدة بل بداية لرحلة شقاء وعناء، خاصةً من جانب الأطفال وما يترتب عليه من تفكك وضياع تربيتهم بعد الانفصال. على خلاف هذا الوضع المحزن تحول الطلاق الآن في بعض الحالات إلى حدث تقام له الحفلات الصاخبة، خاصةً من النساء كنوع من الإعلان عن بداية حياة جديدة والتخلص من الماضي بكل ما يحتويه من ذكريات مؤلمة، أو بغرض توجيه رسالة إلى الطرف الآخر أن الطلاق لم يزعجها أو يتسبب لها بمأساة، لكنه حالة من المساعدة على التخلص من سيطرة الزوج، خاصةً إذا كان الزوج سيئ المعاملة، ولأن الطلاق في الواقع ألمٌ كبير للمرأة، فهل يمكن أن يكون هذا التباهي والفرحة بالطلاق ذا مشاعر صادقة، مخالفة فيه طبيعتها البشرية؟. ترى نورة العمري -اختصاصية علم الاجتماع- أن حفلات الطلاق حدث جديد في مجتمعنا، وبدأنا نلاحظ انتشاراً له بين طبقات المجتمع، ولن نستغرب أن نستيقظ يوماً ونجد في حفلات الطلاق أمراً أساسياً مثل حفلات الزفاف والتخرج والخطوبة، مضيفةً أن الأسرة كيان مقدس، يفترض أن يبنى على المودة والرحمة والتفاهم والمصالح المشتركة، فإن تعذَّر ذلك فهناك مخرج الطلاق، وقد شرعه الله بوصفه حلاً أخيراً في حالات استثنائية تعذرت معها الحياة الزوجية الطبيعية، وفي حال الوصول إلى هذه المرحلة، فإن لدينا أسلوباً ربانياً راقياً، ألا وهو الإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان، والإحسان يقتضي الحفاظ على علاقات طيبة فيما بين الزوجين والأسرتين بعد الانفصال، وقد ذكَّر الشارع الحكيم الزوجين بعدم نسيان الفضل بينهما. وعن الآثار السلبية لحفلات الطلاق على الزوج، أوضحت نورة العمري أنها تسيء إليه اجتماعياً، وربما لن يجد من تقبل به عندما يشيع خبر أن طليقته أقامت حفلة للفكاك منه، فضلاً عما لهذه الحفلات من آثار اجتماعية سلبية على المجتمع وتحديداً الفتيات المقبلات على الزواج، من خلال الرسالة السلبية الخفية وغير الحقيقية عن حال الزواج، وبالتالي العزوف عنه، مبينةً أن حفلات الطلاق ليست محرمة ولا يوجد نص شرعي بتحريمها إلاّ أنها ليست الطريقة السليمة لتعبير المرأة عن فرحتها، ولن تزيل الآلام النفسية والاجتماعية عن كاهلها، داعيةً إلى محاولة إصلاح الزواج، وهنا يأتي دور محكمة الأحوال الشخصية في الإصلاح بين الزوجين قبل الانفصال النهائي وتذكيرهما حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين". وأكدت د. نهلة عابدين -علم النفس- أن "هذا التباهي عند المرأة المطلقة في حفلات الطلاق غير صادق، فلا يمكن لامرأة تتألم أن تُبدي عكس ما تشعر به، وما هذا الشعور الزائف إلاّ لإعادة توازنها النفسي، ووسيلة من وسائل الدفاع عن نفسها، وعن حالة القهر التي تعيشها، بحيث تُظهر عكس ما تُبطن تماماً، وهذا ما يجعل الأشخاص المحيطين بها يصدّقونها في بعض الأحيان، وفي هذا الأمر قمة المكابرة، مضيفةً أن المطلقة تصل أحياناً إلى حالة من نكران تعاستها وضيقها، فتصدق نفسها بأنها سعيدة، ولكن هذا الشعور يتلاشى مع الوقت، وستصحو يوماً على وضعها الحقيقي". وأرجعت د. نهلة عابدين إقامة هذه الحفلات في الآونة الأخيرة إلى التقليد، ونقص تقدير الذات، وعدم احترام مشاعر الأسرتين، وعدم تقدير الآثار السلبية على الأبناء إن وجدوا، ذاكرةً أن بعض المطلقات يقمن بذلك تعبيراً عن الرغبة في الانتقام، خاصةً المطلقة التي تعرَّضت في حياتها الزوجية إلى الإهانة والإساءة النفسية، أو البدنية، أو أمضت سنوات من المعاناة للحصول على الطلاق، مشيرةً إلى أن لهذه الحفلات آثاراً نفسية واجتماعية سلبية على المطلقة نفسها، لأنها ستندم لاحقاً عندما تفيق من نشوة الانتصار الزائف، فستحدث لديها شخصياً رسالة سلبية ذات اتجاهين، حيث ستعزف عن الزواج مستقبلاً؛ لأنها رسَّخت موقفاً سلبياً في فكرها، وأيضاً ستكون قد أوصلت رسالة إلى كل مَن يفكر في الارتباط بها، بأنها ستفعل الشيء نفسه معه لو انفصلا. مهما بدت الحفلات سعيدة يبقى للطلاق أثر نفسي مؤلم