عندما كنت طفلاً صغيراً وقت نعومة أظافري، عودتني والدتي -رعاها الله- أن تحكي لي حكايات مصورة قبل النوم، وتطلب مني أن أسردها لها بطريقتي بعد إتمام الحكاية، وأنا مازلت في بداياتي في الكلام، مؤخراً أجلس لأحكي نفس الحكايات لابني الأصغر عبدالملك كل ليلة وأطبق معه نفس الطريقة، وشدتني حكاية بعنوان:(الدجاجة الصغيرة الحمراء وحبات القمح)... تحكي القصة أن دجاجة وجدت حبات قمح، فقررت أن تزرعها، وطلبت من بقية الحيوانات في المزرعة أن يساعدوها، ولكنهم رفضوا جميعاً وتركوها تزرع وحدها، وتكرر الأمر نفس وقت الحصاد، عندما رفضت جميع الحيوانات المساعدة فاضطرت للحصاد وحدها، كما رفضت جميع الحيوانات مساعدتها لنقل الحصاد إلى الطحان، ومن بعدها نقل الطحين إلى الخباز، حيث اضطرت لعمل جميع هذه المهام وحيدة، وبعد أن خبز الخباز الطحين وأصبح خبزاً لذيذاً، رجعت الدجاجة إلى المزرعة، وسألت الحيوانات: "أيكم سيساعدني في أكل هذا الخبز؟"، طبعاً، أقبلت الحيوانات جميعها للمشاركة في أكل الخبز دون تردد، ولكن الدجاجة رفضت أن تشاركهم الخبز، لأنه وكما عملت في وحدها في الزراعة والحصاد والخبز، فستأكل وحدها ذلك الخبز، وهنا تنتهي الحكاية. ورغم أن الحكاية موجهة للأطفال الصغار، فقد وجدت فيها الكثير من النقاط والدروس الإدارية الملهمة لنا نحن معشر الكبار، ومنها: المبادرة والتجديد: كان يمكن للدجاجة أن تشاهد حبات القمح وتتركها في سلام مرمية على الأرض، ولكنها قررت أن تزرع وتحصد وتخبر وتمر بكل هذه المراحل وتبادر بهذا المشروع الجديد لتجني ثماره لاحقاً، وهذا الحس الريادي هو ما كانت تفتقر إليه بقية الحيوانات في المزرعة. الإصرار على الهدف: الفرد الناجح والطموح والمنظمات التي تتطلع للريادة لاشك أنها ستُواجه بالخذلان والاستهزاء، وهذه الأوقات بالذات تتطلب المزيد من العزيمة على تحقيق الأهداف دون تراخ أو انكسار. الشجاعة في المواجهة: لم تقبل الدجاجة أن يتم هضم حقوقها، وأن يقطف الآخرون ثمرة تعبها ويأخذوه بارداً مبرداً، بل واجهت ورفضت بكل شجاعة مشاركتهم لها في حصاد النجاح بعد أن خذلوها في وقت التعب والجهد والكفاح. وختاماً، أشكر المؤلف على إنهاء قصة الدجاجة الصغيرة الحمراء وحبات القمح بهذه الطريقة المعبرة والمفيدة، فسيكون من المؤلم ومن الصعب على عقلية الأطفال الصغار، أن يستوعبوا أنه في العالم الحقيقي ما سيحصل هو أن جميع الحيوانات أو أكثرهم قوة هو الذي سيأكل الخبز، ولن يبقى للدجاجة الصغيرة الحمراء غير الفتات فقط، هذا إن كانت محظوظة فعلاً...