لعل في قصة"كعكة الزنجبيل"للأطفال، من تأليف الأميركي جيم آيلزوورث، ما يمثّل العلاقة التي تربط البشر بقوتهم اليومي، ولا سيّما الخبز. فقد فرّت كعكة الزنجبيل، بعدما اتّخذت شكلاً بشرياً، برأس ويدين ورجلين، من مطبخ السيدة اللطيفة، عندما شعرت بأنها مهددة بالأكل. وراحت الكعكة تجري في الحقول، ولحق بها سكان القرية ودوابهم وحيواناتهم الأليفة. وعندما وصلت إلى النهر، طالعها ثعلب ومدّ لها يد العون. فركبت الكعكة الساذجة على ظهره، وسبح بها. ثم راحت تتقدّم على الظهر، كلما ازداد عمق المياه، حتى بلغت أذني الثعلب، ففمه. وعندها، قضمها شر قضمة والتهمها. والأمثولة هي أن عليك أن تكون ماكراً كالثعلب لكي تحصل على لقمة العيش. وفي ظل الغلاء العالمي الذي فجّر"أزمة الخبز"في بلدان كثيرة، قد تصح هذه القصة الخيالية لتصوير علاقة الناس بالرغيف. ومع أن الرغيف ما زال في المتناول، يخاف الناس من أن ينفلت من الكيس، وتبدأ أسعاره ب"الجري"صعوداً، إلى حيث تنتظره"الثعالب"و"الذئاب"... بينما أفواه الفقراء تحاول اللحاق به لاهثة. "خبز وملح"بين الماضي والحاضر منذ حقبة ما قبل التاريخ وحتى يومنا هذا، مرّ الخبز بتجارب مثيرة، وساهم في تقدّم المجتمعات، واجتاز الحروب. اختلف مذاقه، وتقلّبت أسعاره ومعدلات استهلاكه، وصنع من حبوب وبقول، من قمح وشعير، وتبدّل لونه. والخبز لا يزال بيننا قوتاً جوهرياً. بات أفضل من ذي قبل، مع ازدياد حرص الخبّازين على الأصالة والجودة. واتّخذ الرغيف أشكالاً مختلفة، منها الطري والقاسي والمحمّص... ودخلت في صنعه مواد متنوّعة، منها للحمية، ومنها للسكري، غير أن معظمها هو لإضفاء نكهات ومذاقات تسيّل اللعاب. وبقيت رائحته الشهية، طازجاً ساخناً، الرابط الأبرز بين رغيف اليوم ورغيف الأمس. ارتبط صنع الخبز بتوصّل قدماء البشر إلى خزن الحبوب والبقول، قبل نحو 10 آلاف سنة، في العصر النيوليتي الذي شهد أولى تحوّلاته في المنطقة الواقعة بين سيناء في مصر وخوذستان في إيران. وفي المنطقة التي تُعرف ب"الهلال الخصيب"برز نمط عيش جديد في قرى صغيرة، يعرف سكانها كيف يشعلون النار، ويقتاتون على حصاد مواسمهم ومواشيهم. وقبل 5 آلاف سنة من ظهور الإمبراطورية الرومانية، كان سكان أوروبا، من مزارعين ومربي المواشي، يأكلون كعكاً مصنوعاً من حبوب. وأما الخميرة التي مهّدت للوصول إلى الخبز الحديث، فيقال أنها عرفت في بابل القديمة، وأن العجين"المخمّر"عرف أولاً في مصر، في القرن الخامس ق. م. ويعتقد علماء الإحاثة والآثار أن اكتشاف الخبز بالخميرة حصل بمحض صُدفة. وبعضهم يتصوّر أن مصرياً نسي أن يخبز العجين فور تحضيره، وانصرف إلى أمر ما وقتاً طويلاً فتخمّر العجين... وهذا ما مهّد للوصول إلى الخبز"الحديث". وأما بعضهم الآخر فيردّ الأمر إلى مياه النيل الغنية بمواد التخمير. وثمة رسوم تعود إلى ألفي سنة ق. م. يظهر فيها مزارعون وخبّازون. بحسب مواقع إلكترونية تؤّرخ للخبز، منها wetterenoise.be البلجيكي، اكتسب الخبز والرياضة مضموناً سياسياً في روما القديمة، بعدما عرفت صناعة الخبز من الخبازين الإغريق، الذين كانت تأسرهم وتجعلهم عبيداً. وثمة جداريات في"بومباي"، التي طمرتها الحمم في ثورة بركانية، تشير إلى الأجواء المزدهرة التي كان يعمل فيها الخبّازون، واتّخذ فيها الخبز أشكال القيثارة والعصافير والنجوم، والحلقات المتداخلة... وهذه الأخيرة كانت تُقدّم في حفلات الأعراس. وأما مفهوم"الخبز والرياضة"ومضمونه السياسي، فيشير أولاً إلى الحاجتين الأساسيتين للشعب الروماني الذي كان يعيش في الفقر والبؤس. ولتفادي حصول أعمال الشغب والتمرّد، درج المستشارون وأباطرة روما على توزيع الطحين الدقيق مجاناً، من خلال أصحاب الأفران والخبّازين، الذين تبوّأوا مناصب رسمية، في القرن الثاني ق. م. ولعلّ قول:"أعطِ خبزك للخبّاز، ولو أكل نصفه"، أتى من هنا، ف?"الخبّاز ? السياسي"، يحسن صنع الخبز ويحسن أكله!