عكف بنك «UBS» على تحليل أسعار العقارات السكنية في 25 مدينة من كبرَى المدن العالمية، وتوصَّلت الدراسة إلى أنَّ مخاطر حدوث فقاعة عقارية تسجِّل أعلى مستوياتها في أوروبا، في حين يأتي سوق الإسكان في دبي على النقيض، حيث يقع في حيز اعتدال الأسعار؛ إذ تراجعت أسعار المنازل في دبي بنسبة 40% عن مستوياتها في عام 2014 من حيث الأسعار المعدَّلة حسب التضخم، ويضاهي هذا التراجع في قوته الانهيار الذي وقع عقب الأزمة المالية العالمية عام 2008. وعلى الصعيد العالمي تتسبب الجائحة في تفاقم بعض الشكوك طويلة الأجل التي تكتنف قطاع الإسكان في المدن. ويعتبر مؤشر فقاعة العقارات العالمية الصادر عن بنك «UBS»، هو دراسة سنوية يجريها مكتب الاستثمار الرئيس التابع لإدارة الثروات العالمية في البنك، يشير إلى خطر حدوث فقاعة عقارية أو مغالاة في أسعار أسواق الإسكان في نصف سائر المدن التي تناولتها الدراسة. ارتفاع متوسط الأسعار مع وجود خطر محدق بمعظم المدن الأوروبية تأتي منطقة اليورو في مقدمة المناطق التي تبلغ فيها أسعار أسواق العقارات ذروتها؛ حيث تحتل ميونخ وفرانكفورت قمة التصنيف، يليهما باريس وأمستردام بوقوعهما في منطقة خطر الفقاعة العقارية بجانب المدينتين الألمانيتين. وبالمثل يظهر في كلٍ من زيورخ وتورنتو وهونج كونج اختلالات شديدة في الأسعار، أمَّا سوق العقارات في فانكوفر فقد دخل الآن، وعلى نقيض العام الماضي، في حيز المغالاة في الأسعار، بحيث يقف على قدم المساواة مع كلٌ من لندنوسان فرانسيسكو ولوس أنجلوس، ونيويورك ولكن بدرجة أقل. وتظل الأسعار معتدلة في كلٍ من بوسطنوسنغافورةودبي، وينطبق ذلك أيضًا على وارسو التي تم إدراجها في الدراسة للمرة الأولى، ولكن يظل سوق العقارات في شيكاغو في حيز تدنِّي الأسعار ويعد السوق الوحيد الذي يأتي في ذيل هذا المقياس. وفي المتوسط، فقد تسارعت وتيرة زيادات الأسعار المعدَّلة حسب التضخم خلال الأربعة فصول الأخيرة؛ كما ارتفعت الأسعار بشدة في الكثير من المناطق الحضرية الأوروبية بنسبة تزيد على 5% ويأتي في مقدمتها ميونخ وفرانكفورت ووارسو، وظل نمو الأسعار في المدن الآسيوية والأمريكية، باستثناء سيدني، في نطاق يتراوح من المنخفض إلى المتوسط بحيث لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وتعد كلٌ من مدريدوسان فرانسيسكوودبي وهونج كونج هي المدن الوحيدة التي شهدت انخفاضًا في الأسعار، وهو ما يعد أقل عدد من المدن التي تشهد انخفاضًا في نمو الأسعار منذ عام 2006. الحكومات دعمت صمود الأسواق ولكن عدم الاستقرار يلوح في الأفق على الرغم من الجائحة، ظلَّت أسواق العقارات محافظة على صمودها خلال النصف الأول من عام 2020، وتستنبط الدراسة ثلاثة أسباب رئيسة وراء هذه النتيجة؛ أولها؛ أنَّ أسعار المنازل تعد مؤشرًا اقتصاديًا رجعيًا ولا يمكنها إلَّا أن تعكس انكماشًا اقتصاديًا مع فترة تأخر معينة. وثانيها؛ أنَّ غالبية مشتري المنازل المحتملين لم يتعرَّضوا لخسائر مباشرة في الدخل خلال النصف الأول من عام 2020، إذ ساهمت التسهيلات الائتمانية للشركات ومشروعات العمل قصيرة الأجل في التخفيف من تداعيات الأزمة. وثالثها؛ أنَّ الحكومات دعمت أصحاب المنازل في مدن عدَّة خلال فترات الحظر الصحي العام، وتزايدت إعانات السكن وانخفضت الضرائب وتم تعليق إجراءات حبس الرهن. أردف السيد علي جانودي، رئيس قسم الشرق الأوسط وأفريقيا في إدارة الثروات العالمية في بنك UBS قائلاً: "لقد وصل سوق العقارات في دبي إلى أدنى مستوياته الدورية. فقد انهارت الأسعار منذ الذروة الأخيرة التي شهدها عام 2014. وما نراه هو أن استمرار زيادة نمو العرض وانخفاض أسعار النفط يؤدي إلى إحداث حالة من التوازن مع وجود تأثيرات إيجابية على الأسعار إثر زيادة نمو السكان وتسهيل لوائح الرهن العقاري. ومع ذلك، فإن سوق العقارات في دبي دوري ونعتقد بأنه سيتعافى على المدى المتوسط إلى الطويل، كما أن سوق الإسكان سيتعافى مع استمرار المدينة في كونها محور جذب للخدمات المالية وللعديد من الصناعات الأخرى." وفي هذا الصدد يقول السيد مارك هيفلي، مدير مكتب الاستثمار الرئيس التابع لإدارة الثروات العالمية ببنك «UBS»: "لا يتضح مدى تأثير ارتفاع معدَّلات البطالة والتوقعات السلبية لمستويات دخل الأسرة على أسعار المنازل في الفترة القادمة، ولكن يتضح أنَّ الارتفاع في الأسعار بوتيرة سريعة خلال الأربعة فصول الماضية لن يدوم على المدى القصير؛ إذ أخذت الإيجارات في الانخفاض بالفعل في معظم المدن، ممَّا يدل على أنَّه من المحتمل ظهور مرحلة تصحيح للأوضاع عندما تتوقف الإعانات ويشتد الضغط على الدخول." ويوضح ذلك السيد كلاوديو سابوتيلي، رئيس قطاع العقارات بمكتب الاستثمار الرئيسي التابع لإدارة الثروات العالمية ببنك «UBS»، بقوله: "يدعو ظهور المكاتب المنزلية إلى التشكيك في ضرورة العيش بالقرب من وسط المدينة، ويتسبب الضغط على دخول الأسرة في إجبار الكثير من الناس على الانتقال إلى المناطق العمرانية ميسورة التكلفة في ضواحي المدن، فضلًا عن أنَّ المدن المثقلة بالديون أو التي تعاني من ضعف أدائها الاقتصادي سيكون عليها التعامل مع هذه الأزمة الاقتصادية بزيادة الضرائب أو خفض الإنفاق العام، وكلاهما لا يعود بالخير على أسعار العقارات. وكل هذه العوامل مجتمعة ترجِّح إثارة بعض الشكوك على المدى البعيد حول إسكان المدن. " ويضيف السيد ماثياس هولزي، المشرف على إعداد الدراسة ورئيس قطاع استثمارات العقارات السويسرية، قائلًا: "يبدو أنَّ المدن التي تتعرض حاليًا لخطر الفقاعة العقارية تتحمَّل أزمة فيروس كورونا بشكل جيد نسبيًا، ومن المرجح أن تتعافى الاقتصادات المحلية في كلٍ من ميونخ وتورنتو وهونج كونج بسرعة، ولكن حتَّى مع غياب اتباع عملية واسعة لتصحيح أوضاع الأسواق، يبدو أن إمكانية تحقيق أرباح رأسمالية إضافية منعدمة، وعلى وجه الخصوص فإنَّ آفاق الاستثمارات القائمة على مبدأ الشراء للتأجير تتضاءل نظرًا لارتفاع معدَّلات أسعار المنازل نسبة إلى إيجارها بشكل غير مسبوق." سويسرا سجَّلت زيورخ أعلى معدَّل في نمو الأسعار بين سائر المناطق الاقتصادية السويسرية خلال العقد الماضي، واتصف سوق العقارات بها بسرعة توسع العرض نسبيًا، مع كون الغالبية العظمى من المباني مؤجرة في نهاية المطاف، في حين أنه قد تضاءل سوق العقارات التي يقطنها أصحابها، ولم يكد فيروس كورونا يترك أي أثر عليه. وفي الواقع، استفادت العقارات الكائنة بالقرب من وسط مدينة زيورخ من زيادة الطلب، ويعكس الاستعداد الشديد للدفع التوقعات التي تفيد بمواصلة ارتفاع الأسعار واستدامة الطلب على الاستثمار. ومن ثمَّ تنضم المدينة الآن لتصنيفات خطر حدوث الفقاعة العقارية في ضوء هذه التطورات. أوروبا ارتفعت النتائج المسجلة للمؤشر لسائر مدن منطقة اليورو التي تناولتها الدراسة خلال الأربعة فصول الماضية، حيث سجَّلت بالفعل أعلى أسعار في العالم، وتتزايد الاختلالات في أعقاب انخفاض تكاليف التمويل بشدَّة بما لا يتماشى مع قوة الاقتصادات المحلية، وخير دليل على ذلك أنَّ الأسعار قد تجاوزت الضعف في فرانكفورت وميونخ على مدار العقد الماضي. وشهدت لندن على النقيض من ذلك ثاني أضعف تطور للأسعار بين سائر المدن التي تناولتها الدراسة منذ عام 2016، ولا تزال المدينة بالرغم من ذلك تقع في حيز المغالاة في الأسعار، إلَّا أنَّ الأمور التي تتعلق بالقدرة على شراء المنازل وعدم الاستقرار السياسي والبيئة الضريبية والرقابية الأكثر صرامة تزيد من الضغط على أسعار المنازل، ونتوقع أن يستغل المشترون الأجانب تراجع قيمة الجنيه وانخفاض الأسعار، ممَّا يدعم مستوى الأسعار على المدى المتوسط. الولاياتالمتحدة الأميركية اتسمت النتائج المسجلة للمؤشر باستقرارها النسبي على مدار الأعوام الخمسة الماضية في مدن الساحل الشرقي، إلَّا أنَّ أسواق الساحل الغربي لم تشهد هذا الاستقرار النسبي؛ فقد واصلت نتائج لوس أنجلوس ارتفاعها على المؤشر، في حين انخفضت الأسعار في سان فرانسيسكو جرَّاء تراجع أسعار المنازل، وإجمالًا، فإن انخفاض أسعار الفائدة على الرهون العقارية إلى مستويات تاريخية يدعم أسعار المنازل في الولاياتالمتحدة. دول آسيا والمحيط الهادئ اتصفت أسعار المنازل في كلٍ من هونج كونج وسنغافورة بالاستقرار النسبي خلال النصف الأول من العام الجاري، في حين ارتفعت أسعار المنازل الفعلية في هونج كونج بنسبة تتجاوز 50 % عمَّا كانت عليها منذ 10 أعوام، فإنَّ الأسعار في سنغافورة تكاد تكون كما هي دون تغيير على مدار هذه الفترة؛ إذ ألقى تشديد اللوائح بثماره في الحد من زيادة الأسعار في مدينة الأسود على مدار العقد المنصرم، وتلقي التوقعات الاقتصادية غير المستقرة بثقلها على آفاق السوق في كلا المدينتين، ولكن من المحتمل أن يظل الطلب في ارتفاع على المدى المتوسط نظرًا لدوريهما البارز في المنطقة. وقد تطوَّرت طوكيو حتى غدت واحدة من أبرز الأسواق الحيوية في المنطقة، يعزز ذلك نموها السكاني القوي وشروط التمويل الجذَّابة. وفي سيدني أسفر تيسير معايير الإقراض وقرار بنك الاحتياطي الأسترالي بخفض أسعار الفائدة عن تحفيز الانتعاش المتواضع والعابر في الوقت ذاته للأسعار.