أكبر هدر تعانيه الدول هو الهدر في الموارد البشرية بسبب تدني مستوى التعليم والتدريب، حين لا يؤدي التعليم مهمته في تفتيح العقول وبناء الأجسام السليمة وزرع العادات الجميلة والسلوك الحضاري تكون مهمته ناقصة ونتائج ذلك مكلفة جداً.. طفل يدرس في المرحلة الابتدائية يعبث بمكونات الحديقة، يطارد القطط ويرميها بالحجارة، يساعده في ذلك إخوته الصغار، يرمي ما في يده على الأرض ويترك مخلفاته قرب الحاوية، حين حاولت أن أنصحه وأروي له بعض الحكم والأحاديث التي تحث على النظافة والرأفة بالحيوان كان يكملها لي وهو مستمر في عبثه، أين ذهبت كل تلك الساعات والحصص الكثيرة التي تسمّر خلالها في مقعده يستمع ويسجل، ويُسأل فيجيب؟ ماذا أثّرت تلك المقررات بأغلفتها الجميلة وصورها الداخلية الملونة في تغيير عاداته وسلوكه؟ أين ذهبت جهود المعلمين الذين كانوا في سباق لإنهاء المقررات قبل نهاية العام؟ وأين جهود الأهل في زرع العادات الجميلة من كل ذلك؟ كيف سيكون هذا الطفل بعد المرحلة الثانوية حين يمتلك حرّيته ومركبته الخاصة؟ هل سيضيف شيئاً مفيداً له ولأهله ووطنه؟ أم سيكون عبئا على أهله والمجتمع، كأن يذرع الشوارع بسيارته كل مساء حتى الصباح معرضاً نفسه وغيره لحوادث الطرق وتلوث البيئة واستنزاف الموارد، والأسوأ لو سقط في براثن المخدرات أو جرائم الإرهاب وغيرها. أسئلة كثيرة تدور بخاطري في كل مرة أرى سلوكاً خاطئاً؟ لماذا لم ينجح التعليم في تصحيحه على مدى سنوات طويلة بدأت من مرحلة التعليم المبكر وما بعدها؟ زرع العادة لا يحتاج لكل هذا الوقت، بل يكفي تكرارها وتطبيقها في ساحات المدرسة وفصولها حتى تصبح سلوكاً يأخذه معه لما بعد المدرسة وفي ميدان الحياة. أكبر هدر تعانيه الدول هو الهدر في الموارد البشرية بسبب تدني مستوى التعليم والتدريب، حين لا يؤدي التعليم مهمته في تفتيح العقول وبناء الأجسام السليمة وزرع العادات الجميلة والسلوك الحضاري تكون مهمته ناقصة ونتائج ذلك مكلفة جداً، والأسوأ حين يصبح التعليم تلقيناً لأغراض الامتحان فقط، حينها يعمل الإنسان بجزء يسير من طاقته البدنية والفكرية، حين يتخرج من مختلف مراحل التعليم دون أن يتشبع بالعادات الجيدة والسلوك القويم والمهارات المطلوبة للعمل يصبح عالة على أهله ووطنه. يستطيع التعليم الجيد والموجه أن يعالج مبكراً أهم أسباب الإعاقات التي يعاني منها المجتمع. لقد تخلى العالم المتقدم عن التلقين منذ زمن وانتقل إلى محاكاة ذهن الطالب واستثارته وإشراكه لا تدجينه. يجب أن نسأل أنفسنا: ماذا نريد أن يكون عليه الإنسان في المملكة في عام 2030 وما بعده؟ كيف يفكر؟ وكيف سيكون سلوكه الخاص والعام؟ كيف ستكون صحته البدنية والنفسية وتصرفاته تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه؟ كيف يتصرف مع البيئة المحيطة به؟ هل سيكون قدوة لغيره؟ ومن هذه التحديات والأسئلة ننطلق في تحديث المناهج وتطويرها. تضمنت رؤية المملكة 2030، برامج وأهدافا كثيرة من أهمها "برنامج تنمية القدرات البشرية" ويهدف إلى تحسين مخرجات منظومة التعليم والتدريب في جميع مراحلها، من التعليم المبكر وحتى التعليم والتدريب المستمر مدى الحياة حتى الوصول إلى المستويات العالمية، من خلال برامج تعليم وتأهيل وتدريب تواكب مستجدات العصر ومتطلباته، واحتياجات التنمية وسوق العمل. كل ذلك للرفع من كفاءة العنصر البشري الذي هو السرّ والمؤثر في كل قطاع. علينا أن نركز في جهودنا لتحسين مخرجات التعليم على الجودة وعلى الكيف لا الكم. ولكل مرحلة من مراحل التعليم أهدافها ومنها التعليم المبكر وهو ما قبل المرحلة الابتدائية والذي يعد من أهم المراحل ويجب تعميمه وجعله إلزامياً لما له من تأثير كبير على سلوك الطلبة في بقية المراحل، خصوصاً حين يركز على زرع العادات الجميلة والمفيدة ومبدأ التعاون مع الزملاء وحسن اختيار عبارات الشكر والتقدير ومحاربة كل أنواع التنمر، ليكون لذلك الأولوية وقبل تعلم القراءة والكتابة. وزارة التعليم لديها تحديات كثيرة وأوليات ملحة، لكن أهمها على الإطلاق هو حسن اختيار المعلم وتأهيله، وابتعاث المميزين منهم ليصبحوا قادة التغيير الإيجابي في المستقبل. وأهم أسباب نجاح المدرسة في أداء رسالتها هو حسن اختيار القادة من بين أفضل المعلمين وتمكينهم وإعطائهم الصلاحيات والحوافز التي تعينهم على أداء مهامهم. وزارة التعليم لديها كم هائل من التجارب والخبرات التي تراكمت على مرّ السنين، كما أن النماذج الناجحة موجودة على مستوى العالم، وليست بحاجة إلى إعادة اختراع العجلة، لكن الأهم هو إرادة التغيير والتطوير المستمر بعيداً عن الجمود أو القيود التي تفرض مقررات أو أساليب تقف عائقاً أمام كل تطوير.