قبل أيام حفزني موقف ما على استذكار مناقشة لي مع أحد الأصدقاء. كان النقاش يدور حول ظاهرة استغلال البعض للمنابر الإعلامية والتحايل عليها لرسم صورة مبالغ فيها وغير دقيقة لإنجازاتهم ومناصبهم وألقابهم العلمية والعملية. كنت أرى أن هذا الأمر يعد مشكلة يجب علاجها وأن المسؤولية مشتركة بين المدعي/ة والجهة الإعلامية. لكن كان لصديقي رأي مختلف حيث رأى أنه يمكننا النظر للأمر بإيجابية وذلك أن هذا التضخيم قد يجعل هؤلاء الأشخاص وإن كانوا مخادعين قدوة ومصدر إلهام للأجيال الناشئة يحفزهم لتحقيق إنجازات ربما أكبر منها ولكن هذه المرة بشكل حقيقي. والآن وبعد مضي بضع سنين على هذا النقاش الجميل ولما رأيت من بروز عدد من الآثار السلبية لهذه الظاهرة أشعر بضرورة عرضها للتحليل والنقاش العلمي الجاد. إن من الآثار السلبية الناتجة عن إظهار الإعلام لصورة مبالغ في روعتها لشخص ما في مجال ما دون تحقق هو بروز عدد أكبر من المدعين والمدعيات المتكسبين والمتكسبات ممن يمتلكون الجرأة على تضليل الإعلام بمعلومات غير دقيقة لتحقيق منافع شخصية غير مستحقة. فالقدوة التي افترضها صديقي أراها قد تحققت بالفعل ولكن بشكل سلبي جعل هذه الممارسات غاية يصبو إليها الكثيرون لما تحققه من مكاسب كبيرة وبفترة قصيرة مقابل قليل من "الفهلوة". يصف الدكتور صالح عبد العظيم أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس، الشخصية الفهلوية بأنها "شخصية لا تمتلك الإمكانات اللازمة من أجل القيام بمهام وظيفية معينة أو أدوار محددة، وعوضاً عن ذلك فهي تقوم بأدوار أخرى تحاول من خلالها إقناع الآخرين بما تقوم به. كما أنها شخصية تقوم بالجانب الاجتماعي من العمل دون الجانب الوظيفي الذي يتحقق من خلال الإنتاجية والعمل. ويصبح البديل في ظل غيبة الكفاءة المطلوبة هو التركيز على شبكة العلاقات الاجتماعية التي تكفل للفهلوة عملها وتؤسس المناخ المناسب لازدهارها". فالشخصية الفهلوية تلجأ دائماً لسد ضعفها الثقافي والمعرفي عن طريق السرقة والتقليد لألفاظ وتعابير ذوي العلم والثقافة وتكرارها ولكن دون فهم عميق لمعانيها. والفهلوي ليس له مهنة أو تخصص معين فقد يكون حرفياً بسيطاً أو تاجراً أو مهندساً أو طبيباً أو باحثاً، ولكن الأكيد أنه كلما زادت مكانة الفهلوي زاد خطره على المجتمع. واجتماعياً يلاحظ على الشخصيات الفهلوية ميلها لتكوين علاقات جيدة مع بعضها البعض حتى وإن اختلفت مجالاتهم، كما أن سلوكها يتسم بالتملق لمن يعلوها والتنمر على من يدنوها منصباً ومكانة وظيفية وهو أمر مثير جدير بالدراسة العلمية. وفي مجتمع يغلب عليه حسن الظن وافتراض صدقية المتحدث دون تحقق استطاع الكثير من هولاء الأشخاص الوصول لمناصب قيادية وإدارية رفيعة جعلت منهم حجر عثرة حقيقة في طريق شباب وشابات الوطن الأكفاء ممن يطمحون في شق طريقهم نحو التميز والإبداع الحقيقي خدمة لدينهم ووطنهم. والمشكلة هنا لا تنحصر على المنفعة الشخصية التي ينالها الفهلوي\ة ولا على انعكاساتها السلبية على بيئته الوظيفية فحسب بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى ظهورهم الإعلامي في كل مناسبة ونشرهم لمعلومات غير دقيقة قد تضلل العامة. يظل الإعلام هو محور هذه المشكلة وأساس حلها من وجهة نظري لذا نتطلع إلى أن تمارس وسائل الإعلام دورها في التحقق والتصحيح لأي معلومة أو ادعاء يطغى عليه تمجيد الشخص لذاته حتى وإن كانت في وسائل التواصل الاجتماعي وذلك بالاستعانة بآراء مختصين مستقلين. وأن يمتد دورها لتساهم في رفع الوعي العام بوجود هذه الشخصيات الفهلوية والتعريف بخطرها وضرورة التصدي لها.