تعاقدت شركة يابانية مع جامعتي واسيدا بعقد استشاري لعمل دراسة ميدانية وتقديم مقترحات وخطة تنفيذية للتغيير. أشرف أستاذي في الجامعة على المشروع وتمت الاستعانة بعدد من الطلاب الجامعيين والدراسات العليا. كان عملي ضمن الطلبة يتركز على قياس الكفاءة في خطوط الإنتاج بالمصانع وتقييم الإنتاجية وعرض مقترحات للكايزن (التحسين المستمر). ورغم أنني كنت مجرد طالب جامعي وقتها فقد كانت المشاكل واضحة وضوح الشمس لدرجة أنني سألت المدير المسؤول في الشركة: "لماذا تحتاجون إلى عمل هذا العقد الاستشاري وطلب الخبراء الجامعيين ليجتمعوا بكم وموظفيكم ويقدموا مقترحات أنتم أدرى بها وأعلم بها منا؟". فأجابني المسؤول الياباني: "هنالك مجاملات وظروف تجعل من الصعب على الموظفين والمدراء تقبل خطط التطوير والتحول إن جاءت من داخل الشركة، ولكن إن جاءت هذه المقترحات من جهة خارجية كما هو الحال مع جامعتكم ففريق العمل سيكون أكثر تقبلاً لهذه التغييرات والتحولات..". مقالة اليوم تناقش قضية دور الشركات الاستشارية.. ومع التسليم بالدور المهم والإيجابي الذي تلعبه الكثير من شركات الاستشارات إلا أن هذا في الواقع لا يعفي جميع الشركات الاستشارية والتي تركز نسبة غير قليلة منها على الاستراتيجيات وقياس الأداء مع الإغفال الكبير لمرحلة التنفيذ. وأذكر أني حضرت اجتماعاً مع شركة عربية متخصصة كحاضنة أعمال واستثمارات تقنية. ورغم تواضع ميزانية الشركة المخصصة للاستثمارات الجريئة، صدمت بالفريق التنفيذي وهو يصر على ضرورة التعاقد مع شركة استشارات أجنبية لرسم استراتيجية الشركة وهو ما سيعني استهلاك حصة كبيرة من ميزانية تلك الشركة في عرض تقديمي تم تعديله وإعادة قولبته ليباع بأغلى الأثمان.. ولعل أحد أكبر الأسباب وراء الاستعانة المبالغ فيها بالشركات الاستشارية هو عدم وجود المتخصصين وأصحاب الخبرة المهنية في المجال، أو عدم الشجاعة في اتخاذ القرارات والرغبة في تحميل المسؤولية لجهات خارجية.. والكاتبة كارين فيلان تشرح بالتفصيل ومن واقع تجارب مريرة من عملها في شركة استشارية ذلك في كتابها: "آسف.. لقد دمرت شركتك: عندما يكون المستشارون هم المشكلة وليس الحل". وتتطرق كيف كانت شركتها للاستشارات الإدارية توجه تركيز الشركات نحو تلوين الرسومات البيانية وتعبئة الأرقام والسير على خطى قوالب وعروض جاهزة يجري إعادة تصميمها كل مرة مع تجاهل تام للعنصر البشري.. ولاشك أن الشركات الاستشارية قد تكون مفيدة، ولكن يجب أن نتذكر أن الشركات الاستشارية لا تمتلك عصا سحرية لتحل المشاكل. الأرقام والبيانات والرسمات الاحترافية مهمة ولكن الشركات والمنظمات تقوم على الأشخاص والذين لا يمكن أن تنجح أي خطة أو استراتيجية مالم تتفهم واقعهم وظروفهم والتحديات التي يواجهونها على الأرض.. وأختم بكلمات ألبرت أينشتاين: "كل إنسان هو عبقري بشكل أو بآخر، المشكلة أننا نحكم على الجميع من خلال مقياس واحد. .فمثلاً لو قيمنا سمكة من خلال مهاراتها في تسلق شجرة ستمضي السمكة بقية حياتها معتقدة أنها غبية".