يشتهر شهر رمضان المبارك بضخ القنوات الفضائية كمية هائلة من المسلسلات لدرجة تجعلك تصل إلى ما أسميها مرحلة التخمة. في كل عام تتساءل عن الملايين التي تصرف على هذه الأعمال الدرامية دون تقديم مسلسل يرتقي إلى مستوى الفن الراقي، الذي يخدم قضايا المجتمع بدون تكلف أو مبالغة في الصراخ والمكياج. صناع هذه الأعمال ينتجون العشرات من هذه المسلسلات بحيث يملأون التلفاز بالزعاق والبكاء مثل ما تقوم به ربة المنزل بحشو حشوة السمبوسة. لدى هؤلاء المنتجين سنة كاملة لتخطيط ووضع النقاط على الحروف على هذه الأعمال، وشر البلية ما يضحك، قبل ثلاثة أسابيع من دخول شهر رمضان يعرضون لنا حملاتهم الإعلانية باهظة الثمن وكأنهم مثل (الطاووس يتعاجب بريشه)، وكانت النتيجة أن «عبقرينو» لم ينتج إلا اختراعًا هزيلاً. المؤسف أن القائمين على تلك القنوات منحوا الثقة والمسؤولية لفنانين لا يعرفون كيف يصنعون عملاً دراميًا مثل الذين يجهلون طبخ الكبسة، لا يدرك أنه يحرق الأرز والدجاج معًا برفع درجة حرارة القدر بحيث يجعله يغلي غليانًا. معظم المسلسلات تفتقر إلى وجود عناصر ذات كفاءة عالية، فتلجأ إلى تسطيح قضايا المجتمع إلى مجرد قصة حب طريقة روميو وجوليت، يرسم المؤلف الصورة الرومانسية المليئة بالمصاعب والمآسي، فيبتعد كليًا عن الواقع الصريح. قام صناع الدراما باستهلاك الموضوعات الاجتماعية التي رسخت في ذهن المشاهد منذ سنوات، والتي لا يستطيع السيناريست مفارقتها لكون قلمه لا يفقه إلا بها. الكوميديا الهادفة فحالها لا يرثى لها، لقد تحولت إلى هزالة وألفاظ نابية، فبدلاً من إضحاك الناس ورسم البهجة على وجوههم، أصبحت الكوميديا (ثقيلة دم)، ليس لديهم حس فكاهي ما يبعث الغثيان عند الجمهور، لا يرون سوى ممثل كالمهرج في السيرك يسقط في حفرة التفاهة والإسفاف في الحوار دون تقديم رسالة هادفة للمجتمع. لأن الفن رسالة، والفن يحتاج إلى فريق متكامل وإلى قائد حقيقي متذوق للفن كسيد المسرح شكسبير يعرف كيف يحرك شخصياته، ويضع كل منهم في مكانه الصحيح كالذي لا يعرف الصقر يشويه! الدراما في رمضان تحولت إلى حرب خشنة، يتنافس كل من الفنانين على المركز الأول، يخمن كل فنان هل حصد مسلسله على نسبة مشاهدة عالية. احترف الجمهور النقد فأصبح يتصيد الأخطاء ويترقب مدى فداحة الخطأ الذي ارتكبه صناع العمل، فتجد بعضهم يسخر من تلك الأخطاء ويقارنون بيننا وبين الغرب، ويقولون (تعلموا من هوليود)، فهم حتى الآن الأفضل في تقديم لوحة فنية كإحدى لوحات دافنشي. سقطت كثير من المسلسلات في مصيدة الاستنساخ، يقوم المؤلف بتعريب النص الدرامي بحيث يجعله يتناسب مع البيئة العربية، فيفقد العمل بريقه، ويشعر المشاهد أنه أحد البرامج التي تختص بتقليد المشاهير والشخصيات السياسية والمواقف الاجتماعية الطريفة. بلا شك أن الفن مرآءة تعكس صورة المجتمع، مهمة الفن هو مناقشة القضايا التي تستوحوذ على فكر المشاهد، لكي يجد حلولًا لها. يحتاج الفن إلى خبراء في الدراما بحيث يقدم مسلسلاً تلفزيونيًا أو فيلمًا سنيمائيًا أو مسرحية تغرد خارج السرب، وتبتعد عن التصنع والزعاق الذي يصل إلى بيت جيرانكم، فلم تعد تفرق بين صراخ الممثلين وعيال الجيران. المبالغة في وضع مساحيق التجميل وحقن البوتوكس، فيهبط مستوى أداء الممثلة. الكمية الكبيرة من المسلسلات الرمضانية تضع المشاهد في حيرة مع الريموت كنترول، فلا يعرف ماذا يختار من القنوات لمشاهدة أعماله المفضلة، لكن الأسوأ عندما يتفاجأ بركاكة المحتوى الدرامي على الشاشة، فيندم على إضاعة وقته على متابعة المسلسلات الرديئة. أحد الصحافيين الخليجيين أعلن على «توتير» أن أفضل مسلسل لهذا العام هو فلونة.