أسرة العمري.. هي إحدى الأسر في بريدة، وهذه الأسرة لها مكانتها الاجتماعية، فليست مغمورة، بل هي إحدى الأسر الشهيرة في بريدة، وهم من قدماء الأسر التي سكنت بريدة، ومن هذه الأسرة الكريمة الوجيه الشيخ محمد بن سليمان العمري -رحمه الله-، وهو من أعيان ووجهاء هذه الأسرة، وله ماض كله يفوح طيبًا وذكرًا حسنًا وسمعة حميدة؛ فهو من أصحاب مكارم الأخلاق في الزمن الماضي، الذي كانت سمعة المرء الطيبة هي أغلى وأنفس ما يملك بعد دينه، وهكذا كان الوجيه الشيخ محمد العمري طيلة حياته التي كتبها الله له وهي سبعة وستون عامًا، فهو رجل معطاء بكل معاني العطاء وشخصية إيجابية ومتفائلة، أريحية النفس، طيبة الخلق، وكان اجتماعيًا يحب الناس وليس منطويًا على نفسه. هو محمد بن سليمان بن محمد العمري، ولد سنة 1324ه في بريدة في بيت علم، ناشئًا على كل ما يزين الطفل، ومبعدًا عما يشينه، فهو تربى في منبت حسن، ونشأ على الخلق والدين، وكما قال الشافعي: هي الأخلاق تنبت كالنبات إذا سقيت بماء المكرمات وكانت التجارة تسري في عروق محمد العمري، وقد أخذها من والده الذي زاول التجارة في سن صغيرة، كذلك اكتسب من والده الأمانة والصدق في المعاملة التجارية مع عموم الناس، وكذلك دماثة الأخلاق وثقة الناس، واتضح ذلك عندما اتخذ محمد العمري الرياض سكنًا وإقامة دائمة؛ حيث فتح محلًا تجاريًا لبيع المشالح، ليصبح من تجار الرياض المشهورين. بنى اسمًا مشهورًا في التجارة.. وفي الدولة أثبت جدارته بهيئة النظر وأمانة الرياض أخلاق كريمة تربى الوجيه محمد العمري على المكرمات، وأنعم وأكرم بها من نشأة، ومن شب على شيء شاب عليه، لذلك أصبحت الأخلاق الكريمة راسخة في حياة محمد العمري، ولم تتغير أخلاقه بتغير الظروف والأحوال، والثبات على القيم والأخلاق صفة من صفات الناس العظام حينما يتعرضون للمحن أو حتى بالنعم، سواءً كان أموالًا أو مناصب أو تعرض لبريق الإغراء، وبعض النفوس البشرية ضعيفة، ولكن هناك نفوسًا كالجبال الراسيات لا تهتز لأية ريح. تعلم الوجيه محمد القراءة والكتابة والقرآن الكريم، وتعلم على أيدي علماء بريدة؛ وهما الشيخان عبدالله بن محمد بن سليم وعمر بن محمد بن سليم، ومدرسة آل سليم هي من أشهر المدارس في القصيم في نشر العلم، وأخذ قسطًا من المعلومات في هذه المدرسة، وبعدها اتجه إلى معمعة الحياة وشواغلها وعالمها الفسيح. نقل البضائع وبعدما اكتمل سن الشيخ محمد العمري البلوغ تقريبًا اتجه إلى مساعدة والده الشيخ سليمان العمري - رحمه الله - في تجارته، وكان له محل في بريدة، فكان يساعد أباه في تجارته في نقل البضائع، خصوصًا خارج بريدة، من بريدة إلى المدينةالمنورةومكةالمكرمة، ثم بعد هذه المرحلة أتت مرحلة التوسع في النقل، فأصبح محمد العمري يتنقل تجاريًا إلى الجبيل والكويت والعراق، وكانت وسيلة النقل الجمال قبل السيارات – كما ذكر الباحث والشاعر عبدالمجيد العمري عن والده-، حيث ذكر في نبذته عن والده قائلًا: «وكان بعض أهل الإبل ومن بعدهم السيارات يتجنبون مراكز الحدود والجمرك في أسفارهم، ولكن الوالد كان حريصًا على اتباع الأنظمة وعدم المخالفة، ويدل على ذلك الوثائق الجمركية المتوفرة».. انتهى كلامه. مساعد ومعاون ومن ذلك الوقت وهو صغير السن كان محمد العمري مساعدًا ومعاونًا لوالده في تجارته، ولكن أصبح له فيما بعد شيء يملكه من المال خصوصًا من الإبل، وكانت التجارة تسري في عروق الوجيه محمد العمري، وقد أخذها - كما قلت - من والده الذي زاول التجارة، وهو في سن صغيرة جدًا الشيخ سليمان العمري، يقول الشيخ والأستاذ المربي والرائد الصحفي صالح بن سليمان العمري -وهو أخ لمحمد-: «إن والده الشيخ سليمان قام بفتح محله واستمر في عمله وهو في سن العاشرة، ما يدل على نضج مبكر، وكان له - رحمه الله - رأي صائب وحنكة منذ شبابه، فكان الناس يستشيرونه ويودعونه أسرارهم إلى أن توفي»... انتهى كلامه - كتاب علماء آل سليم وملازمتهم وعلماء القصيم 2/250-. احترام القيادة ووالد محمد العمري الشيخ سليمان هو تاجر وطالب علم في ذاك الزمن، وقد توفي عام 1384ه، وبينه وبين ابنه الوجيه محمد رسائل ودية، وهذه الصفات الموجودة في والده اكتسبها الابن محمد من الأمانة والصدق في المعاملة التجارية ومع عموم الناس ودماثة الأخلاق وثقة الناس، فوالده كان أهالي بريدة يسرون إليه ببعض ما يكنونه من أسرار، والناس لا يبيحون بشيء من خباياهم إلاّ الأمين وكاتم الأسرار وتلك ثقة كبرى، لهذا نشأ وتربى الوجيه محمد العمري على هذه السجايا، وقد أخذ من والده كثيرًا وبقية أخوته الكرام الفضلاء، ويروي عبدالمجيد العمري عن والده قصة تدل على خلقه العالي والراقي وطيب وحسن تعامله: أن الدولة كلفته بنقل أناس من مكة إلى الرياض عبر الجمال، وكان هؤلاء مخفورين، فقام بهذه المهمة الحساسة وهم ليسوا أشخاصًا من عامة الناس صدر منهم أخطاء استوجب أن يوقفوا، وقد كلفه الملك سعود -رحمه الله - أن يقوم بهذه المهمة - حينما كان وليًا للعهد-، وقال: العمري أخ لنا وليس جمّالًا، وهذا دليل على احترام القيادة للوجيه محمد العمري وثقتهم فيه، فكان عند حسن الثقة به، ونقل هؤلاء إلى الرياض في رحلة طويلة، وكان يتعامل مع المخفورين بكل احترام، خصوصًا مع واحد منهم، فيقدم له أفضل الطعام والشراب، ويحسن إليه بالكلام والقول والفعل، وتم تسليمهم في الرياض. لا أريد ثمنًا ومرت السنوات تلو السنوات، وعفا الملك عبدالعزيز عن هؤلاء، ومن ضمنهم هذا الرجل، وعمل هذا في الدولة، وترقى حتى أصبح فيما بعد وزيرًا للمالية، وعادة الرجل الوفي الكريم أنه لا ينسى المعروف مهما كان صغيرًا، ولكنه عند الكريم عظيم، وكان الوجيه محمد العمري قد استقر بالرياض، فعرض عليه هذا الرجل الوزير وظيفة في الوزارة، أو أن يعرض ما عنده من بضاعة على مشتريات الدولة، فرفض الوجيه محمد العمري وقال مقالته: «لا أريد ثمنًا على ما قدمت»، وهذه منقبة لمحمد العمري، فهو تاجر، والتاجر من أساسيات وأبجديات تجارته بيع ورواج بضاعته وسلعته، لكن أخلاقه وشهامته ومروءته غلبت على حب المال والتجارة، فهذه فرصة تجارية، بل صفقة تدر عليه ربحًا كثيرًا مضمون الدفع، وفعلًا هو امتحان صعب جدًا بين ما تهوى الأنفس وتعشقه وهو المال، وبين الأخلاق، وأين هذه النفوس صاحبة الهمة العالية؟ التي تصنع المعروف أو على الأقل تتعامل برقي وسمو نابع من طبعها وشمائلها وليست تتصنع الأخلاق، ومن تصنع الأخلاق فضحته شواهد الامتحان وسوف ينكشف يومًا من الأيام. بيع المشالح واتخذ الوجيه محمد العمري الرياض سكنًا وإقامة دائمة وفتح محلًا تجاريًا لبيع المشالح، وكانت خبرته التجارية قوية وعلاقاته مع التجار ممتازة خارج الرياض، وبيع المشالح له سوق رائجة حتى الآن، وكانت الأحساء خصوصًا مزدهرة بصنع المشالح اليدوية وكذا العراق والبحرين، فكان يستوردها من مصادرها ويجلبها إلى الرياض، وأصبح من تجار الرياض المشهورين بهذه السلعة، وسلعة كهذه تكوّن علاقات مع جميع طبقات الناس، خاصةً علية القوم وأعيان ووجهاء البلد، فكوّن اتصالات عامة مع هؤلاء؛ ولأنه موهوب في التعامل مع الناس وسلس المعاملة، فهو هين لين، يألف الناس ويألفونه، ومحبوب، لهذا كانت سلعته تنفق، ومعلوم أن العملاء أو الزبائن أيًا كانوا ينجذبون إلى التاجر أو صاحب المحل الذي يتصف بحسن الخلق حتى لو كان تصنعًا لأجل تجارته، فما بالك لمن كانت الأخلاق الفاضلة هي سجيته وطبعه، وعرفه أهالي الرياض من ذلك التاريخ، ويكفي في طيب خلقه أن ذاك الرجل الذي أصبح فيما بعد وزيرًا تأثر بأخلاق الشيخ محمد العمري، وأصبح يزاول هذه التجارة مدة ليست قصيرة، واشتهر بها داخل الرياض وخارجه، وكسب سمعة حسنة وأقبل عليه من رجالات الدولة يتعاملون معه. أعمال حكومية وتعين الشيخ محمد العمري في الحكومة في هيئة النظر عبر ترشيح من الشيخ محمد بن إبراهيم رئيس القضاة آنذاك والمفتي العام، وهي هيئة تنظر في حسم المنازعات في الأملاك العقارية والحدود وتقدير أثمان العقارات، وعمل أيضًا في أمانة مدينة الرياض، وكان مشروع توطين البادية قد بدأ وكلف بالإشراف على توزيع الأراضي جنوبالرياض منفوحة، وقام بهذه المهمة حسب التعليمات الصادرة إليه، وحيث إنه عرف عنه الأمانة والدقة في العمل. والشيخ محمد العمري اجتماعي من الدرجة الأولى، وقد فتح منزله للضيوف بالرياض، بل يذكر ابنه عبدالمجيد العمري أنه خصص مقرًا وسكنًا بجواره للضيوف ولمن يأتي خارج الرياض، وكانت له جلسة يومية في المساء يتوافد إليها أحباؤه وأصدقاؤه؛ حيث بنى منزلًا كبيرًا لسكنه ولمن يفد إليه، وثمة آخر في حياة محمد العمري وهو الشهامة والفزعة للناس وتسخير جاهه لمن قصد في شفاعة خير عند ولاة الأمر، فكان لا يبخل بهذا الجاه، بل يبادر ويشفع -رحمه الله-، وزكاة الجاه هي الشفاعة، وكانت له صلة بولاة الأمر ويقبلون شفاعته. خاتمة أخيرة وبعد حياة امتدت سبعة وستين عامًا مليئة بالتجارب والدروس توفي الوجيه محمد بن سليمان العمري في الرياض بتاريخ الشهر الثالث ربيع الأول لعام 1391ه، تاركًا حياة ثانية طويلة أطول من حياته في الدنيا وهي الذكر الطيب -رحمه الله-. نشكر الباحث والشاعر عبدالمجيد العمري على تزويدنا بنبذة عن حياة والده، والشكر موصول للأخ د.سلمان العمري كذلك، الذي كان السبب في نشر هذا التقرير، فهما من أبناء محمد العمري -رحمه الله-. العمري اكتسب ثقة الناس في تعاملاته معهم الباحث عبدالمجيد بن محمد العمري ورقة وصل جمركية حينما كان العمري يزاول التجارة بنقل البضائع