بحضور مستشار خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود، أطلقت مؤسسة الفكر العربي أمس، وبالتزامن مع الذكرى السبعين لنكبة فلسطين، وبمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع فلسطين تقريرها الحادي عشر للتنمية الثقافيّة "فلسطين في مرايا الفكر والثقافة والإبداع" وذلك ضمن فعاليات مؤتمر (فكر 17) الذي يقام في مدينة الظهران. وفي خضم التحولات الفكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية، أكد الفيصل عن موقف المملكة تجاه القضية الفلسطينية والتي لخّصها بعبارة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- التي قال فيها "فلسطين هي قضيتنا الأولى"، متمنيًا أن ينتقل هذا الشعور إلى كل عربي، وأن تكون فلسطين قضية العرب الأولى، مؤكداً على أن القضية الفلسطينية بحاجة إلى الكثير من الأعمال والتفكير والإنجاز، لكسب المعركة الفكرية والثقافية والعلمية، التي يجب أن يتحلى بها العرب في هذه الجولة المستقبلية، لكي تعود فلسطين لأهلها، وأكد سموه بأننا أصحاب حق في فلسطين، وأنه لا راحة ولا هناء إلّا باستعادة الحق، مطالبًا بالتكاتف والعمل بكل قدرة وتفكير وثقافة واقتصاد وسياسة، ومن جهاد في سبيل الله ولأجل دولة فلسطين العزيزة التي تستحق كل التضحيات. وختم الفيصل كلمته قائلًا: "إلى الأمام.. إلى موعدنا المستقبلي إن شاء الله في القدس الشريف". وتحدث الفيصل عن القمة العربية الثقافية التي تبنّتها جامعة الدول العربية بمقترح مقدّم من مؤتمر الفكر العربي، بأنه تمت الموافقة على إقامته ولم يتبق سوى تحديد المكان والزمان لعقد القمة العربية الثقافية. وتخلل الحفل مداخلة للدكتور معجب الزهراني وجّه فيها سؤالًا عن كيفية مد الجسور الثقافية العملية والواقعية بين منتوجات الفكر العربي وبين الفعل السياسي؟، وأجاب سموه بأنه لم يشعر بوجود فجوة بين الفكر والفعل السياسي، مؤكداً على ذلك بأنه منذ قيام مؤسسة الفكر العربي وهي تتلقى الدعوات من جميع الدول العربية لإقامة المؤتمرات على أرضها، ولم تواجه المؤسسة أي صعوبة في إقامة هذه المؤتمرات، لذا فإنه لا توجد فجوة بين الفكر والسياسة، وإنما الفجوة هي كيفية تحقيق الآمال بالأفعال؟، وليس بالأمنيات والتفكير فقط، بل يجب أن يكون للفعل وجود. كما أكد سموّه على بداية مشروع التكامل العربي الذي بادرت به المملكة ودولة الإمارات خلال الأيام السابقة، راجيًا ألا تقف هذه الخطوات، وأن تتطور بين جميع الدول العربية. ومن جانبه ذكر المدير العامّ لمؤسّسة الفكر العربيّ الدكتور هنري العَويط أن من دواعي إصدارِ هذا التقرير، ومسوّغاتُ اختيارِ موضوعِه، هو اهتمام والتزام المؤسسة بالأهدافِ التي أُنشئت من أجلها وبالرسالةِ التي حَمَلت لواءَها، وإيماناً منها بأهميّةِ الثقافةِ وضرورةِ تنميتها وتعزيزِها. وقد اختارت في تقريرِها الحادي عشر عنوانَ "فلسطين في مرايا الفكر والثقافة والإبداع"، لتؤكد اهتمامَها بالثقافةِ العربيّة والتزامَها بتنميتها. وفضلاً عن اندراجه في إطار هذا التوجّهِ العامّ، يندرجُ التقرير في سياق سعي المؤسّسة إلى الإضاءةِ بصورةٍ محدَّدة وبانوراميّة على أوجهِ الحياةِ الثقافيّةِ المنوّعة في مختلفِ مناطِقِ العالَمِ العربيّ، مشكّلاً الحَلَقَةَ الثانيةَ في السلسِلة التي بدأتها مع تقريرها التاسع الصادر بعنوان "الثقافة والتكامل الثقافيّ في دول مجلس التعاون: السياسات، المؤسّسات، التجلّيات"، والتي ستستكملها من خلال التقريرِ الذي تنوي إصدارَه لاحقاً، وستخصّصُهُ لأوضاعِ الثقافةِ في دولِ المغربِ العربيّ. وقال العويط: إن "مؤسّسة الفكر العربيّ" تعد أنّه لا يسع الثقافةَ أن تبقى على الحياد في المعركةِ التي يخوضها الشعبُ الفلسطينيُّ لمقاومةِ الاحتلال، وفي نضاله من أجلِ الحفاظِ على هويّته، وحمايةِ تراثهِ، وصَونِ تاريخِه وذاكرتهِ، واسترجاعِ حقوقِه المشروعةِ في أرضهِ، وقيامِ دولته. وفيما يخص مضمون التقرير فإنه توزَّع على مَحاورَ سبعة، تناولت فلسطينَ وقضيَّتها عبر تجلّياتِ الإبداعِ الفكريِّ والثقافيِّ والأدبيِّ والفنّي. تضمّن المحورُ الأوّل قراءاتٍ في أبرزِ الأطروحاتِ الفكريّةِ العربيّةِ حول القضيّةِ الفلسطينيّة قبل إعلانِ دولةِ الكيانِ الإسرائيلي، وذلك في نِتاج عددٍ من رجالاتِ النهضة. كما تضمّن هذا المحورُ قراءاتٍ في الأطروحاتِ الفكريّةِ التي تناولت القضيّةَ الفلسطينيّةَ بعد إعلانِ دولةِ الكيانِ الإسرائيلي، أمّا المحورُ الثاني، فعُنيَ بالبُعدِ الثقافيِّ والدينيِّ والتاريخيِّ لفلسطين، فجرى رصدُ موقعِ فلسطين في الدراساتِ الإنسانيّةِ والاجتماعيّة، ومدى حضورها الفلسفيّ والأنتروبولوجيّ، وقدّم دراساتٍ في الطّاقاتِ الإبداعيّةِ للشخصيّةِ الفلسطينيّة، وحضورِ القضيّةِ الفلسطينيّة في المشروعِ الفكريِّ لإدوارد سعيد، وفي النظرةِ الاستراتيجيّةِ للمسألةِ الفلسطينيّةِ من منظورِ المفكِّر المصريّ جمال حمدان. وتناوَل المحورُ الثالثُ تجلّياتِ فلسطين في أدبيّاتِ التاريخ القديم، وفي التوراة، وفي أطاريحِ التاريخِ المُعاصِر، معرِّجاً على العلاقةِ المميّزة التي ربطَت المؤرِّخَ آرنولد توينبي بفلسطين والقضيّةِ الفلسطينيّة، ومركِّزاً على الهويّةِ الفلسطينيّة بين واقعِ الشتات وحقائقِ التجذّرِ في الأرضِ والتاريخ. كما تناول هذا المحورُ قانونَ القوميّةِ الجديدَ في إسرائيل وتأثيرَه على ثقافةِ الهويّةِ الفلسطينيّة، وآثارَ فلسطين وعلاقَتها بذاكرةِ الإنسان الفلسطينيّ وهويّته، وصولاً إلى القضيّةِ الفلسطينيّةِ في إصداراتِ مَراكِز التفكير الإسرائيليّة 2018-2019. ورصدَ المحورُ الرّابعُ الإبداعَ الشِعريَّ والسرديَّ الفلسطيني والتراثَ الشعبيَّ الفلسطينيّ، وواكبَ كذلك رِحلةَ الفنونِ التشكيليّةِ الفلسطينيّة وفنونِ الكاريكاتور والموسيقى والغناء والمسرح والسينما، مواكبةً تتعدّى الرصد، إلى التوثيقِ والتحليل. وفي إطارِ التركيزِ على أهمّيةِ فلسطين وقضيّتها في العالَم، أجرى المحورُ الخامسُ جولةَ أُفقٍ في مرايا الثقافاتِ الأميركيّة، والروسيّة، والصينيّة، واليابانيّة، والهنديّة، والفرنسيّة، والألمانيّة، والإسبانيّة، والأميركيّة اللّاتينيّة المُعاصِرة، والإيطاليّة، واليونانيّة، والمالطيّة، والتركيّة. كما بحثَ المحورُ السادسُ في أوضاعِ التربيةِ العربيّةِ والتعليم في غزّة والضِفّة وسائرِ مناطقِ ما يُسمّى "عرب ال48"، وفي واقعِ اللّغة العربيّةِ ومستقبلها داخلَ فلسطينَ المحتلّة، كاشِفاً عن وجهٍ مُشرقٍ يتمثّلُ بالعِلمِ والعُلماء الفلسطينيّين في العالَم العربي وبلادِ الانتشار. وبالنّظرِ إلى الأهميّةِ التاريخيّةِ والحضاريّةِ والدينيّةِ والثقافيّةِ لمدينةِ القدس، خُصِّص المحورُ السابُع لقضيّتها، وحضورِها في ميزانِ الحقائقِ العِلميّةِ والتاريخيّة، وفي أدبِ الرحّالةِ العربِ والمُسلمين، وفي اللّوحاتِ الرومانسيّةِ الغربيّة، فضلاً عن مَكتباتِ القدسِ عبر التاريخ، ومنزلةِ هذه المدينةِ في الديانةِ المسيحيّة، ومحاولاتِ تهويدها وشطبِ هويّتها وتراثها، مع إطلالةٍ على القدسِ وعالَمها في رواياتِ جبرا إبراهيم جبرا. الفيصل: لا فجوة بين الفكر والسياسة