المتابع للأمر الملكي بتدشين الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، بعضوية مجلس إدارة من وزراء الداخلية والتجارة والاستثمار والمالية والاتصالات والاقتصاد إضافة إلى مستشار الأمن الوطني ورئيس الاستخبارات العامة ورئيس أمن الدولة، يدرك تماماً أنها خطوة صائبة بتوقيت مثالي على درب الانصهار في العصر الرقمي تأتي موازية لما يشهده العالم أجمع من ثورات تقنية معلوماتية متتابعة، تجعل المعلومات والبيانات طوع كبسة زر بالمعنى الحرفي. إن تدشين الهيئة يعبر عن توجه استراتيجي حداثي يتعامل مع المعلومات والبيانات الرقمية بوصفها ثروة قومية حرية بالتنظيم والإثراء والمتابعة في سبيل تسخيرها لتحقيق طموحات رؤية المملكة 2030 ومعالجة التحديات القائمة في سبيل التحكم في المعلومات والبيانات من مصادرها الوطنية المختلفة. إضافة إلى رمزية تدشين الهيئة في هذه المرحلة بالذات، وارتباطها بالرؤية العصرية للمملكة وما ستكون عليه في المستقبل. أحد الأدوار الجوهرية الفارقة التي ستضطلع بها جهة كالهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي هو تمثيلها علامة أو شارة انطلاق لعصر رقميّ سعودي، كل مستند أو بيان أو وثيقة فيه لها موضع في كُل رقمي مؤرشف ومرتب وفق نظام مُحكم، حيث سيكون من صلاحياتها التعامل مع كافة الأصول البيانية سواء كانت إلكترونية أو ورقية، ما يترتب عليها أن تكون الجهة الوحيدة داخل المملكة التي يُرجع إليها في السؤال عن أجندة البيانات الوطنية، لاغية تداخل هذه الاختصاص بين الجهات المتعددة، وعاملة كحافظة تاريخية وطنية عامة، إحدى نقاط التميز في هذه الخطوة هي أن تدشين الهيئة جاء لمواجهة تحديات قائمة بالفعل وتلبية لحاجة ملحة، وأن النموذج المُختار لهيكلها الداخلي متوافق مع أفضل الممارسات العالمية وأحدثها. لا يمكن للمتابع المنصف أن يتجاهل بالتأكيد دلالات زمانية ومكانية بين السطور، إحدى هذه الدلالات بالتأكيد؛ ربط الهيئة المُدشنة بالملك بشكل مباشر، ما يعني مزيداً من التأكيد على أهمية البيانات كأولوية وطنية تسترعي الإشراف عليها بشكل مباشر من القيادة العليا، ومن ناحية أخرى، أستطيع أن أقرأ أيضًا اعتبار البيانات في حد ذاتها الذراع اليُمنى للاقتصاد الرئيس، أو الاقتصاد المُساند بكلمات أخرى، الذي من الممكن اعتباره كما يصف خبراء أنه نفط القرن الحادي والعشرين، والذي ستسعى الهيئة بالتأكيد تحقيق الاستفادة القصوى منه، إذ تقدر قيمة الاستثمار العالمي فيه بتريليون دولار بحلول 2020.