يعتبر التراث العمراني لدى كثير من الشعوب أحد أثمن أنواع التراث، ويعتبر إحدى الركائز الأساسية التي تشكل الهوية الوطنية. لذلك تعتبر المُحافظة على القيم الثقافية للمباني التاريخية من الأمور التي يجب أن تُراعى في إدارة مرافق التراثية لما لها من دور كبير في الحفاظ على المباني التاريخية كقيمة مادية ومعنوية وما لها أيضاً من دلالة على تحويل المبنى إلى رمز تراثي يعبر عن شخصية الأمم وتاريخها. وللحفاظ على القيم الثقافية للمباني التاريخية، يلعب مدير المرافق والمنشآت دوراً رئيساً ومحورياً في المحافظة على القيم الثقافية في المباني التاريخية نظراً لمعرفته الكاملة بكيفية التعامل مع خصوصية هذا النوع من المنشآت ومعرفته أيضاً بكيفية معالجتها. ومن أجل الحفاظ على القيم الثقافية في المباني التاريخية، يجب على مدير المرافق والمنشآت التأكيد على الأبعاد التي تحملها هذه المباني التاريخية وربطها بالاستراتيجيات والسياسات التي سوف يتبعها لإدارة المباني التاريخية سواء كانت تلك الأبعاد اجتماعية، اقتصادية، سياسية، تاريخية، جمالية، علمية، عمرية وإيكولوجية، وذلك بسبب ما يملكه أي مدير المرافق من إلمام بممارسة الحفاظ على المباني التاريخية وما تملكه هذه النوعية من المباني من خصوصية في التعامل تختلف في العادة عن الوظيفة والسياق لأعمال مدير المرافق المعتادة. وحسب تعريف IFMA للإدارة المرافق بأنها مهنة تشمل تخصصات متعددة لضمان وظائف البيئة المبنية من خلال دمج الأشخاص والمكان والاستراتيجيات لإدارة مرفق ما. ومن هذا المنطلق يجب على مدير المرافق أن يرتكز على هذه الركائز الأربع الأساسية وهي الأشخاص والمكان والاستراتيجيات للتأكيد وللحافظ على القيم الثقافية للمباني التاريخية. ومن أولى ركائز إدارة المرافق في حفظ القيم الثقافية للمباني التاريخية «الأشخاص» والقدرة على قيادة فريق ذي مهارة ورؤية تساعد على تركيز جميع أعضاء الفريق على الحفاظ على المباني التراثية وإبراز قيمتها الثقافية للزائرين ومستخدمي هذه المباني بشكل متفاعل متسلسل ومتراكم بحيث يكون مرتبطاً بتراكم الأحداث التي جرت في هذه المباني التاريخية وطريقة تفاعل هذه المباني مع الأحداث التاريخية. ومن أهم المبادئ التي يجب أن يتعامل معها مدير المرافق في إدارة المباني التاريخية في الحفاظ على القيم الثقافية هي تصميم وإدارة السناريوهات التي من شأنها أن تزيد من فعالية المستخدمين مع القيم الثقافية بشكل أوسع وأعمق. ثانياً: المكان وهو الركيزة الثانية التي لا تعطى حقها في الغالب في إدارة مرافق المباني التاريخية كون كثير من مديري المباني التاريخية يتعامل مع المباني التاريخية على أنها وظائف مكانية فقط، ويقوم بوضع استراتيجياته في إدارة هذه المرافق بمعزل عن ارتباطها الجغرافي والثقافي والاجتماعي. ويجب أن يكون هناك فهم لمكان المباني التاريخية ومدى أهميتها للناس وتسلسل الأحداث التي مرت عليها وخاصة إذا علمنا أن مكان تلك المباني التاريخية لها خصوصية تاريخية يرتبط وجودها ومكانها ارتباطاً وثيقاً بهوية الناس الذين تفاعلوا وعاصروا هذه الأمكنة. ثالثاً: العمليات، والتي يتمثل دورها في رسم السناريوهات والخطط والنهج التي تحقق الدعم للحفاظ على القيم الثقافية في المباني التاريخية، فهناك عدة درجات من التدخلات في المحافظة على القيم الثقافية للمباني التاريخية تبدأ من الوقاية وتنتهي بإعادة البناء. ويحدد مستوى التدخل حالة المبنى ونوعية مسببات التلف للقيم الثقافية التي يحتويها المبنى. لذلك، يجب على مدير المرافق رسم النهج اللازم والضروري لأنه يعتبر من المراحل الحيوية في حفظ القيم الثقافية في المباني التاريخية لما لها من شأن في الحفاظ على حالة المبنى المادية ووظائفه المعنوية، وهذا يتم عن طريق استخدام أفضل الوسائل الممكنة وأفضل تقنيات العصر للحفاظ على التراث العمراني وقيمته الثقافية. كل هذه الأمور وغيرها المتعلقة في الحفاظ على القيم الثقافية في المباني التاريخية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وخاصة في ظل الاستخدام الحديث لكثير من منشآت التراث العمراني سواء كانت للتشغيل السياحي أو الفندقي. هذا يحتم على كل مديري المرافق والمنشآت وكل من يشارك في الحفاظ وإعادة إحياء المباني التاريخية أن يكون على دراية كاملة بالخصائص والقيم الثقافية للمباني التاريخية، وخاصة أن هناك كثيراً من مبانينا التاريخية فقدت قيمتها الثقافية وأصبحت مجرد جغرافيا لا يوجد لها أي ارتباط روحي أو ثقافي مع مجتمعاتها مما سبب لها عزلة وغربة وخصومة بينها وبين مجتمعها. * أستاذ العمارة وإدارة المرافق المساعد جامعة الملك سعود