يقف الوطن العربي أمام تحديات خطيرة ومتغيرات محلية وإقليمية ودولية أثرت على ثوابت وتوجهات النظام العربي الإقليمي بشكل لم يسبق له مثيل. لقد أدت تداعيات ما يسمى بالربيع العربي إلى انهيار دول عربية والعبث بمقدراتها وبعثرة مكتسباتها، وسادت روح التشاؤم والتشرذم والانقسامات في كثير من أجزاء هذا الوطن الكبير. ويمكن القول إن المشهد في الوطن العربي يعاني من آثار وانعكاسات هذه المتغيرات الجديدة وتشابك القضايا والأزمات مما شجع دول الجوار وبعض القوى الإقليمية على استغلال انشغال الدول العربية بنزاعاتها الداخلية، بحيث بسطت إيران نفوذها السياسي وهيمنتها الأيديولوجية في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن، وحاولت التدخل بشكل سافر في الشؤون الداخلية للدول العربية الأخرى لبث الانقسامات وزعزعة استقرارها السياسي والأمني وابتزاز قرارها السياسي، الأمر الذي لم تسكت عنه دول عربية فاعلة مثل المملكة والإمارات فوقفتا بحزم في وجه هذه الغطرسة والاستكبار. وعلاوة على ذلك أسهمت الصراعات والأزمات العربية في بلورة انطباع غير واقعي وغير سليم مفاده محاولة تهميش القضية الفلسطينية وزعزعة مركزيتها في الوجدان العربي، إذ أصبح يروَج لعدم أولويتها أمام الخطر القادم من إيران. ومع واقعية هذا الخطر إلا أنه ينبغي الإصرار على أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية، وعدم السماح بتقويض عملية السلام تحت أي مسمى أو لأي سبب، والتشديد على حل الدولتين، والانسحاب لحدود الخامس من يونيو/ حزيران، والاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدسالشرقية، والنظر في مسألة اللاجئين. إنّ مواقف المملكة ومصر، بالإضافة إلى دول عربية أخرى مهمة لابد وأن تسهم في بلورة صيغة خطاب جديد وواقع عربي في القمة العربية المزمع عقدها في تونس الشهر القادم. ولا بد لهذا الاجتماع العربي أن يتصدى لتدخلات إيران وتركيا وبعض القوى الأخرى في الشؤون العربية أكان ذلك في العراق أو سورية أو اليمن أو في ليبيا، والعمل على إيجاد حلول تفضي إلى السلام والاستقرار في هذه الدول، وبذل الجهود لاستعادة دمشق للجامعة العربية، ما يعني أن على النظام في سورية أن يبادر بخطوات جدية نحو الدول العربية وبحسن نيات حتى تتمكن دمشق من العودة وممارسة دورها الطبيعي في الجامعة. ما يشهده الوطن العربي من أوضاع جديدة نتيجة للمتغيرات الإقليمية والدولية يتطلب دعم المملكة في سياستها وخطواتها نحو الحفاظ على سلامة الدول العربية وحماية مقدراتها، وصيانة أمنها واستقرارها، ولملمة صفوف الأمة، وتضميد الجراح، والارتقاء إلى مستوى روح العصر بعيداً عن السلبيات الطاغية على الخطاب العربي، بما يعيد اللحمة إلى المصير المشترك، والالتحام بالواقع، والإيمان بقدرة هذه الأمة على تجاوز خلافاتها وعثرات الماضي، والمضي نحو غد ملؤه الأمل والتفاؤل بمستقبل مشرق للوطن العربي طال انتظاره. * كاتب ودبلوماسي سعودي سابق