لم تكن معرفتي بالشيخ منصور بن حمد المالك - رحمه الله - وليدة، بل معرفة ممتدة منذُ زمالة معالي الشيخ الوالد سليمان الفالح له بالمعهد العلمي في الرياض، وسكناهما بما يُعرف بالرباط آنذاك، وذلك في أواخر السبعينات الهجرية، وعلى إثر تلك الزمالة المباركة توطدت العلاقة بأسرة المالك وبوالده الشيخ حمد رحمة الله عليهما، فالشيخُ حمد من وجهاء محافظة الرس ومن كرمائها ورجالها، رزقه الله بنينَ بررة لهم مكانتهم العلمية والثقافية والاجتماعية، وامتدت تلك المعرفة والمحبة والأخوّة إلى الأحفاد، فكان منها صداقتي وأخوّتي لابن المغفور له - إن شاء الله - عبدالله بن منصور الحمد المالك الذي اتصل بي منذُ أسبوع، وعند مبادرتي له كالعادة أسألُ عن الوالد، قال هذا ما أنا بصدده، وخشيتُ أن يصلكم خبرَ مرضه. تفاجأت بذلك إذ إنه منذُ قرابة الشهر كُنّا في اجتماعٍ مع أسرة المالك بضيافة أخيه فهد بن حمد المالك، وفي فجرِ يومِ الاثنين جاءني اتصال بأنَّ الشيخ التحق بالرفيقِ الأعلى. حينها اتصلت بمعالي الشيخ الوالد وأخبرته بالنبأ واسترجع قائلاً إنا لله وإنا إليه راجعون، رحم الله الأخ الشيخ منصور رحمةً واسعة، وأخذ يدعو له ويذكر مآثره وحسن أخوّته وصداقته التي طالما حدّثني عنها، إذ يكُنُّ لأسرة المالك محبةً خالصة ويعرفُ أفرادها فردًا فردًا، ويبادلونه المحبة والتقدير والاحترام. منذُ أن عرفتُ المغفور له بإذن الله في الثمانينات الهجرية حينما كنتُ أزوره مع معالي الشيخ الوالد في منزله أو حينما يرد الزيارة أو حينما نجتمعُ في فرحٍ أو ترح تجدهُ هادئَ الطبع مبتسمًا يكادُ يتحدثُ فلا يُسمعُ إلا من له الحديث إلا إذا كان يريدُ الحديثَ عامًا، الشيخُ المغفور له سيدٌ في قومه، إذ إن ذلك من العادات والتقاليد الكريمة لأسرة المالك، إذ صغيرها يقدّر ويجل ويحترم كبيرها، وكبيرها عطوفٌ رحومٌ مربٍ لمن هم دونه، يجتمعون على كلمةٍ سواء، يلتقون أسبوعيًا بديوانية الأسرة ويكادُ ألّا يتخلفُ عنه أحدٌ منهم إلا لظرف، يحضر الاجتماع لفيفٌ من أصدقاء الأسرة، التي تحرص أن يوجد أكبر عددٍ من الأصدقاء، ومما يُعرف عن المغفور له حرصه على المشاركة في الفرح والترح، وتلبية الدعوة، يرافقه بذلك أخواه محمد وصالح. ومما لا يعرفه الكثير عنه حلمه وتغافله (لَيسَ الغَبيُّ بِسَيدٍ في قَومِهِ لَكِن سَيِّدُ قَومِهِ المُتَغابي)، ومما لا يعرفه البعض زهده في المأكل والمسكن والمركب، ومما يتسم به الوقار، إذ لا يُخطّئُ أحدًا في رأيٍ، إذ يبدي رأيه بلا صَلَفٍ، وعُرف عنه حبه وتقديره لولاة أمره ووطنه، ومسقط رأسه محافظة الرس، يحضر مناسباتها ويُشارك في احتفالاتها لا يكادُ يتخلفُ عنها، عُرف عنه وقارهُ والإمْسَاك عن فضول الكلام، والإصغاء عند الاستفهام، والتَّحفُّظ من التَّسرُّع. توفي رحمه الله فجر الاثنين الموافق 24 من شهر جمادى الثاني من العام 1439ه، فصلى عليه الأجداد والآباء والأحفاد، وبقي أولاده يتلقون التعازي في مكان مدفنه إلى ما بعد صلاة المغرب، اللهم ألهم زوجته (أم عبدالله) وإخوانه وأولاده وزملاءه الصبر والسلوان. رحم الله الشيخ الوقور المغفور له إن شاء الله منصور بن حمد المالك وأسكنه الفردوس الأعلى، اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغفر له وارحمه، اللهم أبدله دارًا خيرًا من داره وأهلاً خيرًا من أهله. Your browser does not support the video tag.