بحكم موقعها ومكانتها الفريدة، كانت أراضي المملكة العربية السعودية، ومازالت، مقصداً أساسياً للرحالين الذين زاروها عبر العصور، وقاموا بتدوين يومياتهم وانطباعاتهم عن رحلاتهم تلك في كتب كثيرة بلغات كثيرة أيضاً. تعددت مقاصد هؤلاء الرحالين، فمنهم من قدم إلى الحرمين الشريفين لأداء مناسك الحج والعمرة والزيارة، ومنهم من قدم لتلقي العلم عن العلماء في الحرمين الشريفين والمراكز العلمية كالأحساء، ومنهم من قدم لأغراض رسمية وبروتوكولية، ومنهم القادمون بغرض التجسس والاستطلاع لصالح جهات استخباراتية غربية. هذه الرحلات الكثيرة تفيد الباحثين في شؤون التاريخ وعلم الاجتماع، لأنها تقدم لهم صوراً شبه متحركة من حياة المجتمعات التي مرّ بها هؤلاء الرحالون، وتركيبتها السكانية، وأعرافها الاجتماعية، ويمكن أن توفر مجالاً لرصد التغيرات التي حدثت في الحواضر والبوادي عبر العصور. كما يمكن لهذه الرحلات المكتوبة أن توفر قائمة طويلة من المعلومات الطريفة والجديرة بالاهتمام، حول إنساق التجارة، والقضاء، والطعام، والمناسبات الاجتماعية، والأزياء، والسلوك الاجتماعي المقبول والمرفوض، حتى التوجهات الدينية، والأنظمة والبروتوكولات المتبعة، على مدى قرون عديدة. ويستطيع الباحث أن يجد الكثير من الدلائل والشواهد على حالة فقدان الأمان بشكل مزمن في الطرق المؤدية إلى الحرمين الشريفين قبل أن يتغير الحال في العهد السعودي. وتتنوع هذه الكتب التي سطرت التجارب، وتمتد في نطاق زمني يقارب ألف سنة هجرية، مثل رحلة "سفر نامة" لناصر خسرو علوي في القرن الخامس الهجري، ورحلة ابن جبير الأندلسي سنة 579 للهجرة، ورحلة ابن رُشيد الفهري المغربي عام 684 للهجرة، ورحلة ابن بطوطة عام 726 وغيرها. ومن الملفت وجود عدد غير قليل من الرحالين الغربيين الذين انتحل بعضهم الإسلام ليتمكن من دخول مكةالمكرمة، ودخل بعضهم في الإسلام حقيقة، ومنهم: "فارتيما" المبعوث إلى مكة لصالح الحكم البرتغالي الذي كان يهدف إلى احتلال الحرمين الشريفين في القرن الخامس عشر الميلادي، و"جوزيف بتس" الإنجليزي الذي حج مكرهاً مع سيده الضابط البحري الجزائري، والضابط البريطاني "بورتون" الذي زار مكةالمكرمة متخفياً في هيئة حاج أفغاني، و"هورخرونيه" المستشرق الهولندي الذي ادعى الإسلام كي يتمكن من دخول مكة. كما ألّف عدد من الرحالين مذكرات عن زيارتهم للمملكة العربية السعودية في بدايات تأسيسها وعقب ذلك، مثل عباس العقاد، والمازني، وعلي الطنطاوي، ويحيى حقي، ومحمد كامل حته، وآخرين. وقد اهتمت دارة الملك عبدالعزيز بطباعة عدد من هذه الكتب، كما قامت هيئة أبو ظبي للثقافة بنشر سلسلة من الرحلات الغربية المترجمة حديثاً إلى اللغة العربية. كتاب العقاد عن زيارته للملك عبدالعزيز مؤلف فارتيما Your browser does not support the video tag.