فرق كبير بين اعتزاز الشخص بنفسه وبما حققه في حياته وبين الانشغال بالنفس إلى درجة الهوس، واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي للحديث بطرق احتفالية عن المنجزات العلمية والعملية، واستعراض كل مشاركة أو نشاط قام به. لمست مؤخراً وأنا أقرأ ما يكتب في مواقع الإنترنت توجها عند بعض الأفراد لتضخيم الذات بتسليط الأضواء على حياتهم ومنجزاتهم وعلى علاقاتهم بأشخاص لهم تأثير في حياتهم، وهذا الإحساس لديهم بالتفرد وباستحقاق ما يحصلون عليه يصاحبه رغبة عارمة في نيل الثناء والتقدير من الآخرين. هذه اللهفة للحصول على الإعجاب يقابلها سخاء في كيل المديح لهم من البعض الآخر، فالتعليقات التي تكتب عنهم يشتم منها رائحة النفاق بشكل واضح، بل إن منها ما يجعلنا نعجب من قدرة هؤلاء المادحين على تزييف الآراء والمشاعر بأسلوب منفر، وهذا لا ينطبق على الكل، فهناك من يجد حرجا وصعوبة في نطق أو كتابة عبارات تجاه أشخاص أو قضايا ومواقف غير مقتنع بها ولا حتى من باب المجاملة والمسايرة لأنهم لا يجدون فيها مصداقية، وهنا تعجبني عبارة تقول إن المنافق لديه رغبة في أن يظهر بمظهر الشخص الصالح الكريم أكثر من أن يكون شخصا كريما في الواقع. هذا الترويج الذاتي أصبح ظاهرة في بعض أوساط مجتمعنا، فحفلات التكريم المعلنة والباذخة التي تقيمها بعض الأسر احتفاء بخريجيها، وعرض صور اللقاءات التي تجمع أفراداً بشخصيات عالمية لها مكانتها في مجالات العلم أو الاقتصاد أو الصناعة بهدف إظهار الأهمية مسألة لها علاقة بالثقة في النفس، فشعور الأشخاص بالحاجة إلى اطلاع الآخرين باستمرار على نشاطاتهم ومشاركاتهم وشهاداتهم التي حصلوا عليها يعطي انطباعاً بأنهم يرون أنفسهم متميزين ومختلفين عن غيرهم، وحتى لو كانت تلك المنجزات ذات قيمة فليس من الضروري أن يعرف عنها القاصي والداني، فالأعمال القيمة لا تسوق بل تتحدث عن نفسها، وفي حالة الرغبة في إشراك الآخرين فيمكن من خلال الحديث أو الكتابة عن مسيرة النضال والكفاح للوصول إلى أهدافهم لأن ذلك يقربهم أكثر من الناس الذين يقرأون ويسمعون عنهم.