في محاولة لسبر أغوار الأشياء وفهم أنفسنا وفهم الآخرين نلجأ إلى البحث في الأسباب والدوافع التي تساعدنا على استيضاح الأمور وفهم لماذا تحدث الأشياء، وما المحرك لها؟ وكيف يمكن التأثير فيها؟ في مقالي السابق تناولت باختصار موضوع الفساد الأمر الذي دفعني للاطلاع على سيكولوجيته، فما الذي يخبرنا الفساد عن طبيعة البشر الفاسدين وميولهم ودوافعهم و سماتهم وعن العوامل المساعدة عليه؟ كتب الكثير في هذا الموضوع واختلفت وجهات النظر حول أسبابه وأعطيت أهمية للجانب النفسي والاجتماعي الذي يدفع الشخص للتصرف بأسلوب غير نزيه أو ارتكاب أعمال فاسدة، ومن بعض السمات الشخصية والعوامل التي وجد أنها تسهل تورط الأشخاص بتلك الأفعال: -التركيز على الذات، فاحتياجات الأشخاص لها الأولوية على احتياجات الغير. -عدم تحمل مسؤولية الأخطاء، واللجوء إلى لوم الآخرين. -الجشع والتطلع إلى النجاح والكسب المادي أو المعنوي بسرعة. -التهور والميل إلى التلاعب بالأنظمة والمفاهيم والتصورات. -التنشئة الاجتماعية وثقافة المجتمع وتأثيرها السلبي على الأشخاص. بجانب الفردية يلعب الولاء دورا في ارتكاب أعمال فاسدة لمصلحة جماعة لهم صلات صداقة أو قرابة بمعنى آخر «الفزعة»، فالعقلية الجماعية تدفع أصحابها في حالات إلى ارتكاب أعمال فاسدة دون شعور بالمسؤولية بسبب الرغبة في التوافق مع الوضع السائد وهذا ما يزيد من تفشي الفساد، كما أن بيئة المؤسسات وتدني المستوى الرقابي فيها، وتأخر ظهور أضرار الفساد أو عدم وضوح آثاره يشجع على المزيد منه، وقد لوحظ أن بعض الأشخاص يقلدون أفعال من يرتكب أعمالاً مخلة بالأمانة عندما يرون أنهم لم يعاقبوا، وقد يصمتون عن الفساد الذي يلحظونه وهذا الصمت ولو كان بدون مشاركة يساعد على انتشاره. وإذا كان من المهم وضع تشريعات لمكافحة الفساد على المستوى العام فإنه من الضروي العمل على الجانب النفسي والاجتماعي والبحث في الأعماق للوصول إلى حلول لمعالجة المشكلة، والحد منها على المستوى الفردي والمجتمعي مع تعزيز السلوكيات الأخلاقية في الأفراد. البحث في الجانب النفسي والاجتماعي خطوة مهمة برأي المختصين للدخول بفعالية أكبر إلى عالم الفساد و معرفة طرق محاربته.