لا يمكن لصحفي غير متخصص وليس لديه اطلاع ودراية في المجال الذي يجب أن يستغرق عنايته، أن يقرأ بوعي وفهم في تطورات العلوم والكشوف. ولا يمكن كذلك أن يكون قادراً على محاورة عالم وباحث، ولا يمكن أن يجري تحقيقاً صحفياً مميزاً طالما لا يعرف أسس العلم الذي يتناول قضاياه وآثاره وأبعاده على البيئة المحلية.. ما هي مقومات بناء القسم العلمي في صحافة لم تبدأ هذا المشوار بعد؟ وظلت علاقتها بالإعلام العلمي رهن تعاون مع مختص أو طبيب يقدم معلومات تثقيفية في مجال أو آخر لكنه لن يبلغ موقع ما يعرف بالإعلام العلمي أو الصحافة العلمية!! الصحفي العلمي هو عماد القسم العلمي في أي صحيفة، إلا أنه ليس شهادة جامعية في الإعلام، وليس تخصصاً علمياً فقط، إنه استعداد ورغبة ومران وتدريب وتواصل مستمر مع مؤسسات العلم والمعامل والمختبرات والمؤتمرات العلمية، كما إنه صلة مستمرة بالجمعيات العلمية ومواقع الإنترنت المتخصصة بهذا الحقل من الإعلام. على رؤساء التحرير في صحافتنا المحلية ألا يقلقوا من أعباء أو كلفة تأسيس قسم علمي في صحفهم. إن تلك المبادرة تسجل لهم وتبقى إنجازاً مهماً في مسيرة عملهم.. فلا يتطلب القسم العلمي في أي صحيفة أكثر من غرفة تحرير تتوافر على جهاز حاسوب متصل بالإنترنت، وخبير يستعان به لمدة عامين على الأقل ممن عملوا في هذا الحقل -وإن كانوا ندرة في الصحافة العربية- إلا أن هناك أعداداً منهم عملت في هذا الحقل واكتسبت خبرة جيدة، كما يتطلب الأمر استقطاب ثلاثة من خريجي الكليات العلمية الذين تتوفر لديهم الرغبة والاهتمام والاستعداد للانخراط في هذا القطاع من العمل الصحفي، فعصر التخصص يتطلب تخصصات متعددة كالطب والزراعة والبيئة فلا يوجد صحفي علمي شامل، التخصص سمة صحافة علمية تعتمد على العلم والإعلام في آن. يمكن أن يقال إن القسم العلمي مبدؤه وحصاده يبدأ من تطوير قدرات متخصصين في حقل أو آخر من حقول العلوم.. لتكوين النواة الحقيقية لخبرات محلية في هذا المجال.. أي ذلك الجانب الذي يحيل القضايا المرتبطة بالعلم ومنتجاته ومنجزاته إلى مادة إعلامية بامتياز.. علاقتها بالمجتمع أعمق وتأثيراتها أوسع مما يتصور البعض. تدريب أولئك الشباب الذين يملكون الاستعداد والرغبة يبدأ من تطوير قدراتهم وتنمية مواهبهم في الحقل الإعلامي.. وتلك لن تكون مهمة صعبة.. لتأتي مرحلة تطوير قدراتهم على القراءة باللغة الإنجليزية للمواد الإعلامية العلمية، ومتابعة مواقع إعلامية تعني بالإعلام العلمي وأخبار العلم وهي متوافرة وغنية بمواد مواكبة ذات صلة بمنتجات العلوم والكشوف العلمية. تأتي أهمية الخبير في القسم العلمي في بناء الكفاءات المحلية، هذه الخبرة مطلوبة في العامين الأولين على أقل تقدير، حتى تصبح الكفاءات المحلية قادرة على ممارسة دورها في هذا المجال الصحفي الدقيق، لتقوم هي فيما بعد بدور المدرب لكفاءات شابة ترغب في دخول المجال. التدريب هو الأساس لبناء الخبرات المحلية، بالإضافة إلى دورات تتعلق بمهام التحرير والتفاعل مع مواقع العلوم والكشوف الجديدة، كما تأخذ القضايا المحلية ذات الصلة المباشرة بالعلوم وتطبيقاتها حيزاً مهماً في ذلك النشاط. لا يمكن لصحفي غير متخصص وليس لديه اطلاع ودراية في المجال الذي يجب أن يستغرق عنايته، أن يقرأ بوعي وفهم في تطورات العلوم والكشوف، ولا يمكن كذلك أن يكون قادراً على محاورة عالم وباحث، ولا يمكن أن يجري تحقيقاً صحفياً مميزاً طالما لا يعرف أسس العلم الذي يتناول قضاياه وآثاره وأبعاده على البيئة المحلية. المعالجة الصحفية للقضايا الوطنية ذات الصلة بالعلم المادي ومنتجاته وتطبيقاته، وبأدوات كالتحقيق والاستقصاء والمتابعة والكشف.. هذه المعالجة تستعصي على كثير من الصحفيين غير المتخصصين، ولن ينجح فيها سوى من تمكن من الخبرة الكافية والمتابعة الدقيقة ويعرف أساس العلوم وتطبيقاتها التي يتحدث عن نتائجها وآثارها. المؤتمرات العلمية في المملكة حاشدة ومستمرة تقريباً طوال العام، لكن للأسف لم تجد في صحافتنا تغطية كافية، هذا الدور سيكون من نصيب الصحفي والإعلامي العلمي، الذي يجب أن يوثق علاقاته بالجامعات ومؤسسات البحث.. التي سترحب حتماً بكفاءة صحفية اهتمامها يقع في مجال نادر ومهم. في قضايا التنمية الوطنية، كثيراً ما يخفق الإعلامي والصحفي غير المتخصص في تقديم مادة غنية وكاشفة، ولذا سيكون دور الصحفي العلمي مهماً في الربط بين العلم ومنتجاته وآثاره.. مما يجعل المشاهد والقارئ والمتابع للإعلام في مستوى أفضل من الوعي.. كما أنه سيكون حلقة مهمة في معالجة قضايا لابد من الاقتراب منها، وإن كان كثيراً ما يتم تجنبها لضعف أدوات الصحفي في معالجتها. لم تهتم أقسام الإعلام في الجامعات السعودية بهذا الحقل من الإعلام، ولا يتوقع أن يكون لها دور في دعم الإعلام العلمي أو الصحافة العلمية.. لأنها تفتقد للخبرة في هذا النوع من الإعلام المتخصص والدقيق.. ولكن يوجد في أماكن أخرى من العالم روابط وجمعيات يمكن التواصل معها وحضور دوراتها التدريبية والاستفادة من برامجها في التدريب عن بعد، كالاتحاد الدولي للصحفيين العلميين. الصحفي العلمي يجب أن ينال فرصته لحضور مؤتمرات علمية كبرى في الداخل والخارج، وحضور مناسبات مهمة يكرم فيها العلماء والباحثون؛ ليلقي الضوء على إنجازاتهم كجائزة نوبل، وجائزة الملك فيصل العالمية، وغيرها من المناسبات.. من يبادر اليوم لبناء قسم علمي في صحيفته إنما يؤسس للمستقبل، وسيكون صاحب المبادرة الأهم لإدراكه طبيعة المرحلة ومتطلباتها.