الصحافَةُ مِهنَةُ المتاعِبِ، كما يُطلقُون عليها، والصحافَةُ سُلْطَة مُؤثِّرة، ولتأثيرها أطلقوا عليها السُّلْطَة الرابعة، وأهل الصحافَةِ وأربابُ الكَلِمَة لهم سُلْطانُهم، فبالكلمةِ يصنعون الأمجادَ، ويرتَقونَ بالشعوبِ. وإذا ذُكِرَتِ الصحافَةُ الحُرَّةُ بالمملكةِ، يُذْكَرُ "تُركي السديري" علمًا من أعلامِها، حتى حُقَّتْ فيه تسمية الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- له ب " ملك الصحافة". ترأسَ السديري تحرير صحيفة الرياض منذ1394ه، وحتى تقديم استقالته في شوَّال1436ه، أربعون عامًا وزيادَة، قضاها في بلاطِ صاحِبَةِ الجلالَةِ، كما يحلو لكثيرين تسميتها، أو مهنة المتاعب، كما يروقِ لبعض تلقيبها.. لقد أهَّلته المواقع الصحفية التي شغلها خلال مسيرته التي قاربت نِصف قرن، أن يكون رمزًا من رموز الصحافة السعودية والخليجية، وقد انتُخِبَ رئيسًا لاتحاد الصحافة الخليجية مرتين: 2005م، 2009م كانت زاويته" لقاء" من أشهر النوافذ التي يطلّ من خلالها على تحولات الوطَنِ ونجاحاته، وطموحاته، وحتى انكساراته وإخفاقاته، كانت وثيقة تاريخيةً، شاهدةً على العصر. في الوقْتِ الذي كانتْ فيه "الرياض" العاصِمةُ تشْهَدُ نهضاتٍ حضارِيَّةً، وتأثيرًا في المشهدِ العربي الممتدّ، كانت "الرياضُ" الصحيفةُ تنطِلقُ في وثباتٍ متتابِعَة، يقودها "السديري" ممسكًا بزمام قَلِمه، كَمن يحملُ صولجان القوَّةِ الساحِرَة، ولا تُذْكَرُ "الرياض" إلا ويُذكر "السديري" الذي حفَرَ له اسمًا بارزًا في سجلات نهضتها وتاريخها الحافل بالإنجازات. كان حتماً أن يبلُغَ "اللقاء" الطويل غايَتهُ، وأنْ يترجَّلَ الفارسُ النبيلُ عن صهوةِ قَلَمِه، مع أن صهِيلَ القَلَمِ لا يزالُ صداهُ في النُّفوسِ، وسيبقَى يُذكِّرنا بالفارِسِ الذي امتطاهُ، بل ويدعو فرسانَ آخرين لإكمال المسيرةِ، وما أكثر الفرسان الذينَ أهَّلهم نُبلُ "السديري" لمواقع الصدارةِ. رحل "السديري" وبقيتْ كلماته الراسخة الممتدةِ في الآفاقِ، تحمل الخير والبِشارَةَ لِوَطَنِ ما أرادَ قادتُه له إلا الخَير. رَحلَ "السديري" وما رَحَلتْ دروس العَطاء والتضحية. رَحلَ عاشقُ الكلمة الصادِقَةِ بعد أن نَثَرَ في الآفاقِ بذور محبَّةٍ ووفاء، ومودَّة وإخاء، فأثمرتْ وأزهرتْ، وتضوَّعَ منها العبير الفوَّاح. كان "السديري" قامةً، وسيبقَى بما قَدَّمَ من خيرٍ نشَرَه بكل جَسارَةٍ، وإننا نُوقِنُ أنَّ قادتنا لن يتردَّدوا في تخليد ذِكراه بإطلاقِ اسمه على أحد ميادين العاصمة أو شوارِعها، أو معاهدها، أو على قلعة من قلاعِنا الصحفيَّة التي تشرُف أن تَصِلَ ما بدأه السديري من "لقاء"! رحمة الله على الصحفي البارز تركي السديري، وبرحيله نقدِّم عزاءنا للكلمة الصادِقَة، والنفوسِ النبيلة.