أعمل في جريدة الرياض محرراً متعاوناً منذ ما يقارب 18 عاماً، في أول حضور للمؤسسة كنت أطمح للقاء رجل وهامة إعلامية بقدر أستاذنا القدير تركي السديري، رحمه الله، فكل الوسط الإعلامي كان يعرف أن اسم "جريدة الرياض" وتواصل نجاحها وشهرتها تقرن بهذا الاسم الكبير، وكذلك اسمها وحضورها الواسع يقترن بشهرة اسمه، وكأنها حالة عشق فريدة من نوعها على مستوى عالمنا العربي على أقل تقدير. كانت بداية دخولي لهذا الصريح العريق قادماً من مكتب جريدة المدينةبالرياض، مرت أسابيع حتى رأيت ذلك الرجل الذي يدير جريدة الرياض الشامخة، وله هيبة وحضور طاغ في نفس وعقول كل منسوبي المؤسسة من كبيرهم لصغيرهم، في بداية عملي وضعت صورة في مخيلتي، أن رجلاً له هذه الهيبة سيكون في مكتبه وحوله سكرتارية، والدخول إليه صعب جداً، وقد يقتصر على قيادة الجريدة من مديري التحرير ومن في حكمهم، ولكن سريعاً، اكتشفت بعيني بعد شهور قليلة، أن هذا الأستاذ القائد لا يعترف كثيراً بالجلوس خلف المكتب الوثير، خاصة في حضوره المسائي، فقد كان يتجول ما بين قسم وآخر، فمن صالات التحرير" الدسك" إلى التنفيذ إلى التصحيح إلى أقسام التحرير من محليات ورياضة وثقافة وغيرها، وأحياناً كثيرة يجلس مع الصغير والكبير يتبادل الحديث في شأن العمل، وحتى في شؤون عامة خارج بيئة العمل، ولا يخلو أحياناً الحديث من مداعبات تروح عن الجميع وتخرجهم من أجواء ضغوط العمل المعروفة في المجال الصحفي، وهو في هذه الجولات يقدم في الوقت نفسه دروساً إدارية في متابعة العمل والإشراف عليه بنفسه، بدون كلل أو ملل. ما ميز أستاذنا الكبير، رحمه الله أنه وضع لجريدة الرياض هيبة تمتزج من شخصيته الفذة، ولكن في الوقت نفسه هي ليست لطبقة مخصوصة، فهي جريدة الجميع وصوت الوطن والمواطن، وكان خير قائد لها، يحرص على تشجيع المبدع مهما كان صغيراً أو اسماً غير معروف دخل لدهاليز عالم الصحافة، ويستخدم الحزم والعطف وتقدير المجتهد بحكمة مع الكبير والصغير، وبعقلية إدارية فطر عليها، واستمر فيها على مدار أربعة عقود، ويشهد له الكثير بحرصه على تطوير العمل من خلال تطوير الكفاءات الوطنية، وجريدة الرياض قد تكون هي الجريدة الأولى التي شرعت بإرسال عدد من الزملاء المتفرغين لدراسة اللغة الإنجليزية، وتطوير مهاراتهم الصحفية خارج المملكة، غير تبني مركز خصص للتدريب، وتقديم الدورات، التي كانت تعقد في داخل مؤسسة اليمامة الصحفية مجاناً لكل منسوبيها. عديدة هي مآثر عميد صحافتنا الوطنية وقد تحدث عنها الكثير، وأيضاً تعددت المواقف الإنسانية التي شهد له بها الكثير من الزملاء الحاليين في مؤسسة اليمامة الصحفية، وكذلك ممن غادروها لجهات أخرى، والكثير منها ستبقى في مخيلتنا، لكونها حضرت من علم كبير في إعلامنا السعودي على وجه الخصوص، وهو بلا شك أحد أعمدة الصحافة العربية الذي سجل اسمه في تاريخها عبر عقود شهدت متغيرات وأحداثاً كبرى، وواجه كل ذلك بثبات الإعلامي المسؤول، الذي يحمل في قلبه هم الوطن ومصلحته العليا.