أكد المختصون في مجال الإدارة والاقتصاد على ضرورة أن يكون هناك تحضير وتجهيز على مستوى الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة قبل حدوث الأزمات، بحيث تضع كل الجهات خططهم المتوافقة مع الرؤى المستقبلية من أجل تخطي الأزمات التي قد تحدث والتغيير من واقع الكثير من الجهات ودعوا إلى ضرورة أن يخرج الفرد من دائرة "العادة والتعود" وأن ينطلق في تجارب جديدة تخلق له عالم أرحب من المحاولات والفهم التي تمكنه من الاستفادة من المعطيات قبل أن يدخل في فخ الأزمة إلا أن ذلك لا ينطبق فقط على واقع الافراد بل حتى على مستوى الأجهزة الحكومية والمؤسسات الخاصة التي تقع أيضا في ذات الاشكالية والتي يمكنها أن تكون جاهزة لتخطي أي طارئ من خلال إدارة الأزمة وهو المفهوم الذي بدأت تلتفت إليه بعض الجهات في مجالات عدة من أجل إحداث القدرة على التخطي مع التطوير الذي يمكنها أن يحسن من آدائها. سوء تخطيط! أوضح د. عدنان الشيحة – أستاذ الإدارة العامة بجامعة الملك سعود – بأن الأزمات تحدث لأن هناك سوء تخطيط فيؤخذ الناس على حين غفلة سواء على مستوى الافراد أو في المؤسسات الحكومية والخاصة فالذي يستعد للمستقبل بشكل جيد لا يكون لديه مفاجآت لأن إدارة الأزمات تأتي من أن الأمور جاءت طارئة وبالتالي يفاجئ البعض ولا يكون لديه الوقت الكافي ولا القدرة الكافية لاستيعاب هذه الأزمة، إلا أن هناك أمورا مهما كان هناك تخطيط فإنها تقع ولكن تكون أخف أثرا لمن استعد لمثل هذه المتغيرات، مبينا بأن الكثير من الاستراتيجيات التي توضع الآن يتحدثون من خلالها عن اليقظة الاستراتيجية، واليقظة تلك تكمن في أنك حينما تضع استراتيجية للمستقبل وتريد الوصول إليها سواء في القطاع العام أو الخاص فلابد أن يتم مراعاة وقع التغيرات وأن هناك مستجدات وبالتالي يجب أن تحدث هذه الاستراتيجية لأن كثيرا من الاحيان نركن إلى منطقة الراحة فنعتاد عليها فالإنسان يحب ما يألفه فهو لا يحب أن يشغل باله في مجمل من التوقعات المستقبلية وتلك إشكالية كبيرة توقع الكثير من المؤسسات في حرج كبير لأن المتغيرات في المدى البعيد صغيرة وبالتالي تتراكم ولا يشعر بها الكثيرون فلا تستطيع المؤسسات العامة أو الخاصة مواجهتها، ولذلك هناك إشكالية في وضع المشكلات بحجمها الحقيقي ومواجهتها بشكل صحيح. وأشار الشيحة بأن أي تجربة نخوضها يجب أن يكون هناك فوائد ودروس مستفادة من هذه التجربة فلابد من وجود نظام للتعلم وليس فقط في الاهداف التي نضعها ونسعى إليها ولكن السؤال: هل الاهداف التي نضعها صحيحة؟ وهل نستمر بها أم نغيرها؟ وتلك تحتاج إلى جهد وقيادات إدارية سواء في القطاع الحكومي أو الخاص مستنيرة تستطيع أن تستشف المستقبل وتتصوره لأنه من الصعب تصور المستقبل خاصة في ظل الظروف البيئة وحركة التغير السريعة والتي من الصعب التكيف مع هذه المستجدات فلابد أن يكون هناك آلية للتعلم ويستفاد من تلك الدروس ويوضع نماذج وأطر لمحاولة عدم تكرار هذه المشكلات، موضحا بأنه للأسف غالبا ما يتم التعامل مع المشكلات بشكل آني ووقتي وردود أفعال سريعة ومحاولة لمعالجتها معالجة شكلية وليس جذرية بحيث يتم مناقشة الموضوعات الحساسة التي لم يكن من المسموح لمناقشتها. وذكر الشيحة بأنه على مستوى الافراد يأخذنا الاستهلاك الحاضر سواء الاستهلاك الاقتصادي أو الاستهلاك الاجتماعي فاستثمارنا للوقت والموارد موجه للحاضر دون الاخذ بالحسبان ما يتوقع في المستقبل فعلى سبيل المثال بعض الافراد لا يوجد لديه إدارة جيدة للدخل الشهري الخاص به، فلا يوجد هناك نظرة مستقبلية والكثير ليس لديه قدرة على التخيل لما يمكن أن يكون عليه المستقبل، كما أن التصورات غير موجودة فالأفراد والمؤسسات تألف ما تعتاد عليه لأن ذلك به تنبؤ بسبب العادة والروتين فالقدرة على خوض التجارب غير موجود وتلك هي المشكلة، ولكن التخطيط يعطي الأمل وهذا يسهل عدم الوقوع في الازمات. إدارة المدن وأكد الشيحة بأنه على مستوى الافراد فالأجيال السابقة قبل 60 سنة كانوا الناس رواد وقدرة على التعامل مع الظروف القاسية فالكثير من تلك المباني مازالت موجودة فهم استفادوا من التجارب وتكيفوا مع بيئاتهم القاسية، ولكن في الوقت الحالي لا يوجد لدى الافراد القدرة على كيفية تصريف أمورهم كما أصبح هناك تفاقم لمشكلة المباهاة التي طغت عليهم وأصبحت الاشياء الشكلية هي الاهم فلم يعد الاستثمار شيء رئيسي لديهم وتلك إشكالية توقع الافراد في أزمات مالية كبيرة فهناك من يشتري سيارة بنصف مليون وهو لا يمتلك سكن خاص به، أما من ناحية تنظيم المجتمع والادارة الحكومية فالمركزية الشديدة أثرت على أننا لا نتخذ قرار على مستوى المدن على سبيل المثال فليس لدينا إدارة مدن فنحن بحاجة إلى مجلس محلي ونافذ وليس مجالس البلدية التي لا تملك صلاحيات اتخاذ القرار ووضع استراتيجيات مستقبلية، فكيف من الممكن أن تبقى المدن دون إدارة بحيث يكون هناك مكون تنظيمي يكون مسؤول عن إدارة شؤون المدينة بحيث يكون لدينا جسم ومكون إداري ويكون لديه الصلاحيات على الاجهزة الحكومية المحلية بحيث يرسم إطار بما يجب فعله في المستقبل تنمية حديثة. صياغة المستقبل من جهته يرى د. عبدالله الخالدي - مستشار وخبير للتنظيم وتطوير المنظمات كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة - بأن التخطيط يحد من الكوارث والأزمات، وهناك تخطيط صوري عبثي، سطور على الورق، لا يدعمها بيانات دقيقة، ولا تصور مستقبلي مدروس، وهناك تخطيط متقدم تشكله رؤية واضحة وملامح دقيقة عن تطورات واحتمالات التغيرات المستقبلية، والأزمات والكوارث، والذي يجعل متطلب الواقعية والنظرة المستقبلية أمر في غاية الأهمية، لم تعد الحياة ارتجالا وركضا دون هدف، فالدول تبني جيوشها واحتمالات غدر البعض، وأطماع الأعداء وأحيانا الأصدقاء أمام ناظريها والدول تقرأ الواقع الاقتصادي وتطوره هبوطا وارتفاعا فتعد له العدة، فهناك شعب أمامه احتياجات وموظفون يأملون في التطور، وهناك أسر تخطط لمستقبلها ومستقبل أبنائها مبينا بأن الحياة بهياكلها المختلفة، بدء من محيط الأسرة والمنظمات الإدارية والاقتصادية، وكذلك الدولة أصبحت تلك الهياكل المختلفة في غاية التعقيد، ولكن في نفس الوقت تتطور صياغة المستقبل ودراساته بحيث أمكن السيطرة على المتغيرات والحد من المفاجآت. متغيرات منظمة وغير منظمة وأشار الخالدي إلى أن الإدارة تكتنف على متغيرات منظمة وتغيرات غير منظمة، فالتغيرات المنظمة في السلك الإداري التنظيمي أمر يمكن توقعه والأعداد لها مستقبلا قبل حدوثه فنحن في المملكة نعرف حجم العمل في موسم الحج، فتستعد له الدولة بالإمكانيات والمال والرجال على أفضل وجه ولعلنا لا نفاجئ إذا وجدنا كفاءة المستشفيات والمراكز الصحية وتوفر الأدوية في الحج يفوق الظروف العادية عن أيام السنة الأخرى وهذا ذروة الإعداد لكثافة العمل ويعد إدارة للظروف والأزمات موضحا بأن المنظمات الإدارية تعرف أن هناك ميزانية في نهاية العام المالي ونهاية الشهر وهكذا هي التغيرات المنظمة، أما المتغيرات غير المنظمة فهي كالحروب والكوارث والسيول وكمثال "تسونامي" الذي فاجأ الناس على حين غره، فالتغيرات غير المنظمة أيضا يجب أن لا تترك عبثا فالتخطيط الجيد الذي يقوم على دراسة المتغيرات يمكننا من الاستعداد لتلك الظروف. وأكد الخالدي بأن المملكة رسمت معالم ممتازة لإدارة الأزمات فاجأت بها العالم، فمن كان يظن أن المملكة بهذه القدرة وهي تواجه أزمة اليمن وتظهر بهذه الصورة اللافتة في "عاصفة الحزم" هذه المكانة الدولية التي ظهرت فيها المملكة من حيث استعدادها وقدرتها العسكرية والتنظيمية والسياسية فهذه صورة متفوقة لإدارة الازمات، مشيرا إلى أن المملكة استمرت لفترات تراقب انخفاض ايرادات النفط عين على الواقع وعين على المستقبل ورؤى وتطلعات على تقديم رؤية مستقبلية لا تعتمد بشكل كلي على النفط، وانفتاح كامل على اقتصادات العالم قالب بنائي متكامل للاستفادة من التطورات التي تعيشها بعض الدول كاليابان والصين وماليزيا وغيرها، فبرنامج التحول الوطني ومبادراتها كفيلة ان شاء الله بتحقيق نقلة نوعية. وأشار الخالدي إلى أننا ندير أزماتنا بتحويل القطاعات الحكومية والخاصة إلى ورش عمل تطويرية تناقش وتبدي آرائها حول تطوير نظام الخدمة المدنية لزيادة انتاج الموظف السعودي، كذلك الاستفادة من إمكانيات الكفاءات البشرية الموجودة في الجامعات وهي المتوارية تقريبا. د. عدنان الشيحة د. عبدالله الخالدي كثير من الأزمات بإمكاننا تجنبها بالتخطيط المسبق والتعامل الأمثل الاهتمام بمفهوم إدارة الأزمات يجنبنا الكثير من المشكلات