لا يمكن أن ننكر سطوة وسائل التواصل الاجتماعي على الناس وقدرتها على جعلهم أسرى لها وكأنها التاريخ الجديد لهم، تديرهم كما تشاء وتسلمهم لوقتها بإقامة قد تطول حسب شخصية المسيطر عليه.. هي من يدير اللعبة والطرف الآخر المستخدم لها هو الذي وإن اعتقد أنه أحاط بالتفاصيل إلا أنه فقد سيادته على زمنه وإن امتلك مكانه صورياً..! كلنا أسرى لوسائل التواصل ولكن بدرجات متفاوتة، وبرضى الأسر وكأنه الملاذ الآمن الذي يُدير مسرح الحياة التي نعيشها من داخله.. أسرى لعلاقة تبدو من طرف واحد مستبد والطرف الآخر مستسلم، يكتفي ببضع ساعات مغادرة ليس للهروب منها ولكن للارتكان إلى وسيلة أخرى وكأنها تطالبه بحقها من الحضور والاستبداد..! تفيض وتهدر وتزداد وسائل التواصل الاجتماعي وكل عام وحسب الإحصائيات تتصدر وسيلة وتطغى أكثر من غيرها ولكن هذا الاستخدام يختلف من دولة إلى دولة ومن قارة إلى قارة وأيضاً هو محكوم ببعض الفئات العمرية التي ترتبط بهذا التطبيق.. ومع ذلك ينشغل الجميع بكل مراحلهم العمرية باستخدام أكثر من تطبيق..! فالواتس أب استخدام عام لكل المراحل العمرية، وهو وسيلة تواصل في الجوال مع الأهل والأصدقاء قد لا يستهلك من الوقت الكثير إن هو استخدم للتواصل الفعلي مع من نعرفهم بالكتابة أو الصور أو حتى الهاتف في بعض الدول .. ينطبق ذلك على الماسنجر حيث تجد نفسك مقبوضاً عليك فجأة وأنت تقرأ في الفيس بوك ولا تكتب بأحدهم وجدك "نشط" فتواصل معك.. ومن المعيب أن تتنصل من التواصل في تلك اللحظة رغم أنك في كثير من الأحيان لا ترغب في التواصل الشخصي في تلك اللحظة لأنك غير مهيأ نفسياً للتواصل أو الأخذ والرد وتواجدك على الفيس بوك للقراءة فقط.. وهي نفس حالة الواتس أب.. سيجدك متصل.. ولن تتمكن من التنصل منه .. أو عدم الرد أو التعليق مهما كنت منغلقاً في تلك اللحظة أو غير قادر على التواصل.. وهذه مشكلة وسائل التواصل... ولو تجاهلت وكان ذلك الطرف لا يتفهم معنى عدم قدرة شخص على التواصل وانغلاق داخله وغياب مفرداته فستجد نفسك في مسلسل جديد من العتاب لعدم احترام الآخر أو تقديره والرد عليه.. وفي كل الحالات أنت مطالب بالرد ولكن من أجل راحتك افعل ما يريحك ولا يغضبك وغادر.. وبعدها تواصل في الوقت الذي تجد نفسك قادراً وهادئاً وموانئ نفسك رايقة..! المشكلة أن واتس أب وماسنجر وتويتر آصبحت وسائل قديمة ونحن لا نزال نستخدمها.. وهي تظل رصينة وتبدو بعد ظاهرة السناب شات وكأنها خارج نطاق الشباب والجيل الصاعد.. لفتني في الشهر الماضي انتشار السناب شات بين من حولي ومعرفة أخبار وتحركات كل شخص من خلال السناب.. ماذا أكل وقبلها ماذا طبخ وأين ذهب العصر أو المساء ومتى سافر وتنقلاته في السفر لحظة بلحظة ولا يتبقى له إلا النوم الذي أعتقد أنه سيفكر فيه ماذا سينقل غداً وأين سوف يذهب.. ؟ ابن أختي يقول لي: كلمت صديقي عدة مرات ولم يرد ولكن في النهاية عرفت أين يكون فقد صدته من السناب وعرفت مكانه بعد أن صور نفسه.. لم تعد متصل هي السبب ولكن الصور "وشوفوني" هي من يحدد للآخرين موقعك ويكشف بتعمدك خصوصيتك.. لابأس باستخدامه ولكن ليس اليوم كله ولا نجعله يطغى على حياتنا بحيث انك تصبح آسيراً ومنزعجاً من أن لا تستطيع أن تنوع صورك أو تنشر أحداثك لخوفك من أن يسبقك الآخرون ويتفوقون عليك وتظل متأخراً عنهم..! هل هذه الحياة الماتعة التي نختارها؟ من باب الحرية فالحياة اختيار وعليك أن تحدد كيف ينبغي أن تعيشها وتستمتع بها ومن حق كل شخص أن يختار مايريد.. ولكن عليه أن يتوقف أحياناً للمراجعة والتأكد من أنه وإن استشعر بالمواكبة لما يجري إلا أن هذه الوسائل الساحرة التي تستولي على الوقت.. تشكّل حرماناً أساسياً من لحظات التأمل وتفريغ الذهن وتنقيته من كل شيء.. تسرق الوقت الذي هو ملك للكتاب وملك للأصدقاء دون أي وسيلة تواصل.. ملك للخروج مع العائلة، ملك لنفسك لسماع الموسيقى، لمشاهدة فيلم .. أو برنامج أو بطولة تحبها أو مباراة بعد أن تغلق الواي فاي وأحياناً الجوال تتركه صامتاً.. لتستمتع بلحظاتك.. بمزاجك.. بانغلاقك، بفراغك.. بعيداً عن عيون الناس وفضولهم .. تسافر ولا تكتب ولا تسجل ولا تخبر أحداً أنك غيرت أرضك.. تتواصل أو تكتب في تويتر أوفيس بوك وكأنك لم تغادر.. فمتعة السفر خصوصيته وإحساسك أنك حرّ وليس أسيراً لصور تنقلها لمن لا تهتم بهم وقد لا يهتمون بك.. قد ترسل صوراً خاصة لو رغبت ولكن لا تتحول الرحلة إلى صور وليس إلى هدوء أو استرخاء أو تغيير واستكشاف..! نحن أسرى ولكن نستطيع لو أردنا كسر القيود وتسليم أنفسنا للحياة الحقيقية وليس لأسراب الوهم والركض الافتراضي..!!