في عالم متقارب متداخل، باتت فيه الثقافات والحضارات سلعة ينتقي منها الناس ما يناسبهم، يحدد هذه الانتقاءات عوامل نفسية وعادات مجتمعية. إن صلاح أحوال البشر في أمور معيشتهم لا يمكن أن يحدث عرضاً بصراخ مثقف وقف وسط ميدان شهير في مدينته، يحدوه الأمل في أن يفهم الناس من حوله ما فهمه هو من مبادئ العدالة ووسائل السلامة. لقد طُبع عامة البشر على الاستجابة لصوت الإلزام ومطاوعة النظام، فالمقاومة غالباً تتأتى بين الأقران زماناً ومنازل، أما الصوت المصلحي الصادر من الأعلى فالغالب على سامعه الاستجابة والتنفيذ. والمتأمل لحال كثير من المجتمعات التي ظهرت فيها (الأنظمة المحترمة) أنك تجدها تسابق الزمن للوصول إلى نهضة أوطانها بسواعد أبنائها، وعبارة (الأنظمة المحترمة) أقصد بها أنظمة احترمت فنُفذّت ولم تكن حبراً على ورق يتغنى بها المنظمون وينام عنها رجال السلطة التنفيذية. إن كثيرا من الدول سابقت في إصدار الأنظمة وأسرفت دون تخطيط واضح لتنفيذها أو على الأقل إمكانية ذلك، فتشدق التنظير وغاب التطبيق، ومن الدول من لازمها هاجس التطبيق فنجحت في احترام النص واحترام نفسها، وأصبحت النصوص تصدر وتُحترم، واحترامها في تنفيذها. والوالد في بيته إذا قال ولم يفعل سقطت هيبته وأصبح كلامه لغوا. أعرف أحدهم يقطع الأرصفة من مسار إلى مسار بسيارته دون اكتراث، وفي دولة أوروبية يقف مع المشاة لتمر السيارات فتضاء إشارة السماح! متى تعلّم النظام في إجازة عابرة؟ وهو يعيش في مجتمعه كل أيام السنة تشتكي منه الأنظمة؟ وأشد منه من يتصدر كل مجلس للحديث عن مشاهده لاحترام الغرب لأنظمتهم وقد عضل بنته عن الزواج أو أكل إرث قاصر قد ولاه الله أمره فانتهك الحقوق وطارت أحاديثه الكاذبة. إن تطبيق النظام يجب أن يكون هاجساً ملازماً للمرء يمارسه في كل ظرف دون انتقائية بين طرقات الرياض ومدريد.