لا أدري ما الذي كان يغيظني حينما يقول لي والدي «احترم نفسك». ربما نبرة صوته المرتفعة إلى درجة الزجر، أو المنخفضة إلى درجة الوعيد المبطن بشيء من الحلم والصبر، فردة الفعل كانت نتيجةً لدرجة الصوت لا لمعنى الجملة، خاصة أنني كنت في سنٍّ مبكرة لم أصل إلى فهم «احترم نفسك». ولو أن الصوت الداخلي حينها كان يقول «أنا مُحترَم». وفي نفس الوقت ربما لو قال لي أحدهم «يا مُحترم» بنبرة صوتٍ تجعل، أو إيماءة تحرِّف المعنى الحقيقي للكلمة إلى ضدها، سينتابني الغيظ أيضاً، وذلك قبل أن أدرك تأثير الصوت على التأثير على الفهم الصريح للسياق الصحيح، ثم ما لبثت حتى خالفت الفهم العام لتلك الجملة «أنا مُحترَم»، ففي الحقيقة لم تكن إجابة موفَّقة للأمر «احترم نفسك»، بل ليس بينهما علاقة مباشرة، وكأنه كان يقول «اشرب الماء». فأجيب «هم سيجلبون الماء»! اكتشفت أن ذلك الصوت الداخلي ما كان إلا مجرد ظنٍ بأن الآخرين يحترمونني، فأنا مُحترَمٌ من قِبل الآخرين لا تعني أنا مُحترِمٌ لنفسي، وعلى مبدأ فاقد الشيء لا يعطيه، فلا أعلم أي الفعلين هو الأول، أن أحترم نفسي فيحترمني الآخرون، أو أن يحترمني الآخرون فأحترم نفسي، وحتى لا تقع إشكالية فهم جديدة، فسأذهب إلى تعريف كلمة «احترام»، ليتبيَّن الفرق بين ما كنت أعتقده، وبين ما كان يجب عليَّ أن أعتقده، فكلمة «احترمه» في اللغة تأتي بمعنى أكرمه حباً ومهابةً، واحترم العهد بمعنى التزم به، واحترم العادات بمعنى حافظ عليها ورعاها، واحترم نفسه بمعنى جنَّبها ما يسيء إليها، كل هذه المعاني تدلل إلى الأمر «احترم نفسك»، لكنها لا تؤدي إلى تزكية النفس بمدى احترام الآخرين لها، خاصة أن موجبات الاحترام تختلف من شخص لآخر، فمَنْ ذا الذي يحترم نفسه، وكيف يكون احترام النفس إلا ترجمة فعلية لمعاني الاحترام في اللغة، وليس العالِم باللغة وحده يعلم مدى صعوبة الأمر، وقدر مشقته، إنما كل مَنْ يريد هذا الاستحقاق الكبير، ثم لا يظن أحدنا بأن احترام النفس مجرد شعور إرادي مثله مثل جلد الذات، أو انكارها، بل هو نتيجة لمجموعة من المكتسبات الحسنة في جميع مكوِّنات الحياة لا يغلب فيها جانب على جانب. إن احترام النفس استحقاق عظيم لا يقدر عليه إلا العظماء، فعذراً والدي قد علمت اليوم بأنك تريد القول «كن عظيماً».