مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    الولايات المتحدة تعيّن ستيفن فاجن قائدًا مدنيًا لمركز التنسيق بشأن غزة    دراسة: العمل في فترة النوبات الليلية قد يؤدي إلى الإصابة بالقولون العصبي    الأخضر تحت 16 عاماً يواصل تدريباته استعداداً لبطولة غرب آسيا في الأردن    "إدارة نادي النجمة".. تصريح اللاعب علي جاسم جاء نتيجة سوء تقدير في التعبير    بنزيما: الهلال فريق صعب... حاولنا لكن لم نتمكن من التسجيل    ثيو هيرنانديز سعيد بفوز الهلال في «كلاسيكو السعودية»    رصد مذنب «لِيمون» في سماء منطقة الحدود الشمالية    إيطاليا تحتكر نحو (70%) من إنتاج الاتحاد الأوروبي للمعكرونة    إنزاغي: كنا نستطيع تسجيل المزيد من الأهداف    كونسيساو: ما حدث أمام الهلال لا يمكن تحمله    العلا يتغلّب على الاتحاد في قمة الجولة الخامسة من الدوري السعودي لكرة السلة    جمعية المانجو بجازان تؤكد دعمها للتنمية الزراعية المستدامة في ملتقى "جازان الخضراء"    ناصر الدوسري يوضح أسباب تألقه مع إنزاغي    «سلمان للإغاثة» يوزّع (1,100) من المواد الإيوائية المتنوعة في الصومال    بلدية الدرب تنفّذ حملة تنظيف شاطئ عتود ضمن جهودها لتحسين المشهد الحضري    المملكة تُسهم في إحباط محاولة تهريب (25) كجم "كوكايين" بماليزيا    وزارة الداخلية تحتفي بمرور 100 عام على تأسيس الدفاع المدني.. الثلاثاء المقبل    وزير الاقتصاد والتخطيط يعقد اجتماعاً مع المستشار الاقتصادي والمالي الألماني    نادي ثقات الثقافي يتألق (باأمسية أدبية مدينية ) بالتعاون مع الشريك الأدبي    نائب أمير نجران يُدشِّن الأسبوع العالمي لمكافحة العدوى    تجمع جازان الصحي وجمعية رعاية الأيتام بالمنطقة يبحثان سبل التعاون المشترك    السوق السعودي يترقب مسار السيولة        توطين سلاسل الإمداد    طبيب سعودي يحقق جائزة التميز في زراعة الكبد    آل الشيخ: معرفة أسماء الله الحسنى تزيد الإيمان وتملأ القلب طمأنينة    ولي العهد يعزي هاتفيًا رئيس وزراء الكويت في وفاة الشيخ علي الصباح    في يومٍ واحد.. عسير تحتفي بإنجازٍ مزدوج لخدمة الإنسان    السديس: أمتنا أحوج ما تكون لهدايات القرآن في زمن الفتن    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت تركي بن محمد بن سعود الكبير آل سعود    أنظمة الدفاع الجوي الروسية تسقط 3 مسيرات متجهة إلى موسكو    الرئيس الموريتاني يصل جدة لأداء مناسك العمرة    رابطةُ العالم الإسلامي تُشيد بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية    مسابقة "كأس فرسان علم السموم العرب" تنطلق اليوم    تدشين فعالية اليوم العالمي للصحة النفسية في الخبر    مطار الملك سلمان الدولي يوقّع شراكة استراتيجية مع منتدى TOURISE 2025 لدعم السياحة المستدامة    صقّار يطرح أول شاهين في حياته ويبيعه ب(193) ألف ريال    تنقل زواره لتجربة سينمائية عبر رحلة تفاعلية مكتملة    163 ألف ريال لصقرين في مزاد نادي الصقور السعودي 2025    بيان عربي إسلامي: ضم الضفة انتهاك صارخ للقانون الدولي    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان أهالي فرسان    أمير منطقة تبوك يواسي أسرة القايم    59.1% من سكان السعودية يمارسون النشاط البدني أسبوعيا    الأمين العام للأمم المتحدة يأمل أن تلتزم بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية    بروكسل تعد القاهرة بمساعدات بقيمة 4 مليارات يورو خلال أول قمة أوروبية – مصرية    لشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان مفتيًا عامًا للمملكة العربية السعودية ورئيسًا لهيئة كبار العلماء ورئيسًا عامًا للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمرتبة وزير    تكليف العنزي مديراً للإعلام ومتحدثاً لوزارة الشؤون الإسلامية    بالونات مجهولة تثير مخاوف الأمريكيين    أكد رسوخ الوفاء والمبادرات الإنسانية.. محافظ الأحساء يكرم مواطناً تبرع بكليته لوالده    القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة علي الصباح    أمر ملكي بتعيين الفوزان مفتياً عاماً للمملكة    آل حلوّل والضليمي يزفون داؤود    المملكة توقع اتفاقية دولية للإنذار المبكر من العواصف    برنامج ثقافي سعودي- فرنسي يمتد حتى 2030.. 50 مليون يورو لدعم مشروع «مركز بومبيدو»    أجريت إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. نجاح عملية عيب خلقي في القلب لطفلة فلسطينية    معقم الأيدي «الإيثانول» يسبب السرطان    التراث يحفّز الاستثمار ويقود ازدهار المتاحف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوطن والذين لا يستحون
بالفصيح
نشر في الرياض يوم 27 - 11 - 2015

الحياء شعبة من الإيمان.. وهو صيانة للكرامة، واحترام للذات غير أن هناك أناساً سلخ الله من عقولهم، وقلوبهم نزعة الحياء وفضيلته.. هناك أناس لا يكترثون لمعنى الحياء، ولولا ما تقتضيه، وتجرّمه معايير المجتمع لمشوا عراة من غير ستر..!! ومن المؤكد أن تهتك الحياء والخجل في النفس ربما يعود لأسباب اختلال، واضطراب في شخصياتهم، وهذه الأسباب عادة مختلفة من شخص لآخر، ولكنها في الغالب تكون نتيجة لاضطهاد عانوا منه في صغرهم، وهذا الاضطهاد يأخذ أشكالا متعددة، فقد يكون بسبب الضياع، والإهمال وسوء التربية، فمارسوا أو مورست عليهم سلوكيات ظلت عالقة في أذهانهم، وأصبحت تسيطر عليهم، وتحدد سلوكهم، بل تتدخل في أفكارهم، وما تنطوي عليه ضمائرهم من كراهية، أو من غل على المجتمع أو الفكر، نتيجة لتلك الظروف أو المآسي النفسية التي مروا بها.. لذا تراهم يقابلون السلوك الأخلاقي العام للمجتمع، بالاستخفاف، والاستهتار، والاستهجان بل الكراهية، كنوع من الانتقام، والتشفي.. كل ذلك الألم أو الوجع، ينمو معهم نموا غير إرادي، فهو أشبه بالوساوس القهرية التي تطفو على عقل المريض، فتحرف مسار سلوكه وتفكيره.. والحياء هو مكوّن أساس مهمته ضبط إيقاع السلوك الإنساني الفطري السليم الذي يرفعه عن الانحطاط، والتلوث والارتذال..
وكل الأمم والشعوب لديها نِسبٌ من الحياء، والخجل من كل ما هو مشين ومرتذل، في العرف الإنساني، والأخلاق الإنسانية العامة.. بل إننا قد نجد الحياء، والخجل موجوداً حتى عند بعض البهائم، فتراها إذا مارست سلوكاً مشيناً، مسيئاً لمالكها أو لمربيها، يعتريها ذلك الخجل وتظهر عليها دلائله، من انكماش، وانزواء، واستعطاف، من اجل المسامحة، والعفو، والغفران.. وهكذا تكون الفطرة الإنسانية السوية.. إلا عند أولئك المرضى، والمأزومين، والذين يعانون من جراح خفية، داخل بواطنهم أومن كبت نفسي في شعورهم الخفي.. فهؤلاء يدافعون عن معاناتهم وأمراضهم بالمجاهرة بالسقوط في المهانة وممارسة الرذيلة، والفحش البهيمي، كما عند الحيوانات المتدنية، ليس في المأكل والمشرب، والمران والتحرك الجسدي فحسب.. وإنما في الفكر والقول، فهناك أناس يخرجون عراة مجردين، من كل فضيلة، ومن كل قطعة حياء تغطي، وتستر بعض عوارهم الفكري، والسياسي وبالذات فيما يقع على بلدانهم من جور، وظلم، واضطهاد سياسي، يقع على أهلهم وأوطانهم، إذا إن العدل في مفهومه الانساني واحد، فالدم الإنساني في أي مكان دم واحد في اليابان، أو المالاوي أو المكسيك أو غزة أو نيويورك، وبورما، وباريس، والجريمة الإنسانية واحدة، فالضمير الإنساني المستقيم يرفضها أيا كان شكلها وهويتها.. ومن ثم فإن الإنسان السوي لا يقر الإجرام أيا كان شكله وأيا كان مصدرة، وأيا كان فاعلة، فهذه هي الشرعة الإنسانية.. بيد أن أولئك الشاذين والمتعرين من الفضيلة الإنسانية يزدرون مثل هذا الموقف الأخلاقي الجمعي للإنسان، فهم يميزون ويفرقون بين الشعوب وبين الدماء، وبين جغرافيا الإنسان.. فهناك شعوب في نظرهم تستحق الإكبار والتقديس، وهناك شعوب تستحق الإذلال والتدنيس، هناك شعوب عليا، وهناك شعوب سفلى، فإذا وقع جرم في الغرب رأيتهم يفتلون شواربهم، ويتنادون ويذرفون الدموع، ويملؤون الدنيا نياحة وتفجعا على الإنسانية.. أما إذا كان القتل والذبح والإجرام البشع والحاقد الشنيع قد وقع على أهلهم فإن ضمائرهم تدخل في السبات وتنام نومة أهل الكهف.. بل إن بعضهم ربما أخذته النشوة فراح يزغرد ويصفق لمنظر أشلاء الموتى وجثث الأطفال المتعفنة في بلادة، بفعل العداء القديم والأحقاد التاريخية والكراهية المتوارثة..
لقد فجعنا جميعا بأحداث باريس، وبهذا العمل البربري الشنيع الذي لا يمثل دينا، ولا خلقا، ولا مروءة إنسانية.. بل يمثل البشاعة والانحطاط في أسوأ صوره.. ولكننا أيضا فجعنا، بذلك الإعلام الشاذ والأقلام الشاذة، التي ملأت الدنيا عويلاً ونشيجاً وتحسراً وقد نسبت تلك الجرائم إلى ديننا وإلى بلادنا.. وهنا يشمئز الإنسان وتعتريه حالة من الحزن، والألم والفجيعة من تلك الأصوات الشاذة والمريضة، والتي تفتقر إلى العقل، والحكمة والنزاهة بل تفتقر إلى الكبرياء والنخوة والمروءة حين تلصق التهمة بعد التهمة بوطنها.. أولئك الذين أقاموا حفلات الزار والدروشة والشطح الفجائعي على ما حدث في باريس فقط.. فبعثوا رسائل العزاء، وباقات البذخ الهجائي لنا ولديننا..
بينما لم يبعثوا رسالة عزاء واحدة ليتامى غزة لم يبعثوا برسالة عزاء واحدة للملايين من القتلى والمشردين في العراق والشام. والذين تفتك بهم القنابل، والصواريخ وطائرات الدول الغربية والشرقية، التي تفتعل الحروب وتصنع الإرهابيين كداعش، وقبلها القاعدة.. لم يبعثوا رسالة واحدة للزعماء الغربيين يناشدونهم فيها بكف التدخل وإيقاف الاحتلال وحملات الموت التي أغرقت بلداننا بالدماء منذ قرنين من الزمان..
لم يبعثوا رسائل للطيارين الذين يلقون حممهم وصواريخهم الجهنمية فيقتلون في ساعة واحدة أكثر مما قتل في باريس.. لم يبعثوا برسائل ليقولوا لهم فيها إن تحتكم بشرا وأن قنابلكم تصيب نساء عُزلاً، وشيوخا وأطفالاً ضعفاء لا ذنب لهم ولا جرم، ولم يفجروا دياركم ولا بلدانكم – فارحموا إنسانيتهم، ارحموا دموعهم، ارحموا ديارهم، وقراهم، التي حولتموها إلى مقابر ومراقص للموت.. وإذا كنتم تريدون حقاً قتل الإرهابيين فإنكم تعرفون جحورهم.. لم يقولوا إن بلادنا عانت من هذا الإجرام الارهابي، غامض المصدر، والتكوين والتمويل.. لم يدافعوا عن بلادهم، كما يدافع الموطنون الشرفاء.. لم يطالبوا وبشجاعة فتح ملف التاريخ الاسود للجرائم التي مورست بحق البشرية، ومنهم الذين كانوا وراء قتل وإبادة عشرات الملايين في القرن الماضي مستعملين أبشع أسلحة الدمار الشامل..؟
أبداً لم نسمع ذلك من أولئك الحاقدين العارين من كل فضيلة إنسانية، بل نجدهم يبتلعون الصّمت.. يبتلعون ألسنتهم، وكلماتهم.. وفي مقابل ذلك نراهم يصبون حقدهم وكراهيتهم وتهمهم على أهلهم وذويهم بل يستغلون كل حالة شاذة ليعلنوا مرة، بعد مرة تفسخهم وعهرهم وكيدهم لأمتهم، فهم أشبه براقصة "الاستربتيز" التي تبدأ تخلع قطع القماش عن جسدها قطعة قطعة حتى تصبح عارية أمام السكارى والمسطولين.. حمى الله بلادنا من شرهم، وشذوذهم وحقدهم الدفين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.