لم يكن صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- الذي فجع العالم العربي والإسلامي والعالمي برحيله، لم يكن شخصية سياسية بارزة ومتفرّدة فحسب، بل كان استثناءً لن يتكرر ولن يجود الزمن بمثله على مدى عقود. فالراحل الكبير كان متعدّد القدرات والمواهب، ولذلك تظل الكتابة عنه عبئاً كبيراً فهي من التنوّع والشمول ما يحار القلم عن تعداد مزاياه وأثره الذي تركه على الصعيد الإقليمي والدولي، أثرٌ دعا العالم إلى إطلاق مسمى "عميد الدبلوماسيين" عليه. فالراحل كان مهندساً بارعاً للسياسة الخارجية للدولة وخبيراً ضليعاً في علم وفنّ التفاوض، حمل حقيبة وزارة الخارجية لأكثر من أربعة عقود راعى فيها مصالح بلاده الوطنية في شتى المجالات. سعود الفيصل هذا الاسم الكبير المهيب في عالم السياسة، الوالج لعالم الدبلوماسية والسياسة منذ يفاعته وبواكير صباه، نهل من مدرسة والده العظيم القائد الإسلامي الفذ الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- الذي رعى غرس بذور هذه الموهبة الفذة وتولاها بالرعاية والاهتمام ولم تَخِب فراسةُ والده في همّة هذا الشاب الذي أبدى تطلّعاً وقدرات وكفاءة لا ينقصها سوى فرصة الانطلاق. (دبلوماسية انحازت للمواطن) الحديث عن شخصية الراحل الكبير تأخذ أبعاداً متنوعة لا تحيطها عجالة كهذه لكن سيقتصر التناول هنا عن دوره -رحمه الله- في ترسيخ مبادئ الدبلوماسية التي انحازت للمواطن وتلمّست همومه وشؤونه داخل وخارج وطنه، وهي أدوار قام بها الأمير سعود الفيصل إلى جانب أدوار لا تقل أهمية عنها منها دوره في بناء سمعة طيبة لبلاده وكانت أحد تجليات نشاطاته الدبلوماسية العامة وكذا دوره الكبير والرئيس في تشكيل صورة ذاتية للمملكة وقولبة هويتها بطريقة جعلت للمملكة العربية السعودية حضوراً دبلوماسياً مشرّفاً. ولذلك نهض بأدوار عديدة بحكم عمله كوزير للخارجية وكان عضوا رئيساً فى الكثير من اللجان العربية والإسلامية مثل اللجنة العربية الخاصة بلبنان ولجنة التضامن العربى واللجنة السباعية العربية ولجنة القدس واللجنة الثلاثية العربية حول لبنان ضمن وزراء خارجية الدول الثلاث وغيرها من الصفات التى أهلته لأن يكون وزيراً للخارجية طوال هذه الفترة، حيث حظي بثقة ملوك البلاد جميعهم، كما أن إجادته ل7 لغات إلى جانب اللغة العربية، منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والإسبانية والعبرية يعد تفرّداً يثير التقدير والإعجاب. والحديث عن الجانب الدبلوماسي المتعلق بتعامله مع السفراء وممثلي البلاد في الخارج ملمح انساني جميل ويستحق التوقف عنده، فقد رسّخ الراحل مبادئ إنسانية جديرة بالتنويه والاحتفاء، فلم تشغله مهامه السياسية المتعددة والمعقدة في ظل ما تموج به الساحة الإقليمية والعالمية من صراعات وتوتّرات كان للمملكة دور فاعل ومؤثّر في تهدئتها وإحلال السلام وثقافة التسامح ونشر السلام والخير في العالم، كل هذا لم يشغله عن المواطن خصوصاً الذي يسافر خارج بلاده لضرورة عملية أو دراسية أو إقامة أو غيرها، فكانت متابعته الدائمة لشجون وهموم المواطن مدعاة للفخر لكل مواطن سعودي، إذ تأتي تأكيداته الحازمة -رحمه الله- بأن يبذل كل سفير وممثل للمملكة في الخارج كل عون للمواطن منطلقاً في ذلك من ثقة خادم الحرمين الشريفين التي تقضي بالحرص الشديد لرعاية وحماية المواطنين وامتداد هذه الرعاية الكريمة لكافة المواطنين خارج المملكة واهتمام صاحب السمو الملكي الامير سعود الفيصل وزير الخارجية بعدم تعرض رعايا هذا البلد الغالي لأي مشاكل أثناء سفرهم وإقامتهم وعودتهم الى بلدهم. خطوط هاتفية لاستقبال الشكاوى ولذلك كان الأمير سعود الفيصل يوجه سفراء وقناصل خادم الحرمين لبذل أقصى الجهود لرعاية المواطنين في الخارج، وكانت وزارة الخارجية تصدر -تبعاً لهذا الاهتمام والرعاية- إرشاداتها للمواطنين الراغبين في قضاء إجازاتهم الصيفية السنوية خارج المملكة بهدف رعاية وحماية المواطنين وتحقيق أعلى مستوى من الراحة والاستقرار والأمن لهم كما كان يوجه سفارات المملكة وقنصلياتها بأن توفّر خطوطاً هاتفية لاستقبال شكاوى المواطنين واستفساراتهم أثناء فترة الدوام الرسمي وتحال جميع المكالمات التي يجريها المواطنون بعد فترات الدوام الرسمي على جوالات رؤساء أقسام الرعايا كما وجه بتخصيص رقم حتى يتمكن المواطن من تسجيل جواز سفره عبر الفاكس دون الحاجة لحضوره إلى السفارة بالإضافة إلى تخصيص سفارات المملكة وقنصلياتها مكاناً لاستقبال المواطنين مزوداً بالصحف والمجلات السعودية وكل ما له صلة بالمملكة لمعرفة ما يدور من أخبار عن المملكة وحتى يشعر المواطن بالتواصل مع أحداث وطنه.. استشارات قانونية مجانية ولا تقف هذه الحفاوة بالمواطن وهمومه عند هذا الحد بل تجاوزته إلى التوجيه بأن توفر سفارات المملكة وقنصلياتها خدمة الاستشارات القانونية المجانية لطالبها من السعوديين في الخارج وتستند في ذلك على مكاتب محاماة متخصصة تم الاتفاق معها لخدمة الرعايا السعوديين ومساعدتهم والدفاع عنهم سواء كانوا مقيمين بصفة دائمة أو قادمين لغرض السياحة أو التجارة أو العلاج أو خلافه. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه -رغبة من سموه في تجويد الأداء- فقد تم دعم أقسام الرعايا بسفارات وقنصليات خادم الحرمين الشريفين حفظه الله بموظفين أكفاء على درجة كبيرة من الوعي والإدراك والخبرة المتميزة والإلمام بالأنظمة والتعليمات القنصلية لحل مشاكل المواطنين السعوديين والدفاع عنهم وبذل المساعي المثمرة لدى الجهات المختصة في البلد المضيف وانهاء مواضيعهم. كتب توعوية وإرشادية كما تجدر الإشارة إلى الجهود الكبيرة والمنسجمة مع توجيهات القيادة برعاية المواطنين في الخارج وهو ما أكدته جهود وزارة الخارجية على توعية المواطن حيث تم اصدار كتيب ارشادي للمسافرين الى الخارج بعنوان (دليل المسافر) موضح به أرقام هواتف وفاكسات سفارات وقنصليات المملكة في الخارج تتضمن التعليمات المهمة التي يجب على المواطن التقيد بها حتى تكون رحلته مأمونة بإذن الله بالإضافة الى عناوين ممثليات المملكة في الخارج وحث المواطنين بالمبادرة الى تسجيل جوازات سفرهم وايضاح عناوينهم وأن يكونوا على اتصال مستمر بالسفارة أو القنصلية لإتاحة الفرصة لها بأن تقوم بواجبها نحوهم ويتم توزيع هذا الكتيب على جميع الجهات التي لها صلة بسفر المواطنين «إدارة الجوازات في المملكة ومنافذ المغادرة في المطارات والموانئ السعودية والمكاتب السياحية والخطوط السعودية بالإضافة إلى توزيع كتيب ارشادي بعنوان (دليل الزائر) يحث فيه الرعايا على الالتزام بأنظمة وقوانين البلد وحفظ أمتعتهم الشخصية ووثائق سفرهم وما لديهم من أموال في أماكن آمنة ومعلومات عن الاماكن السياحية الآمنة التي يمكن زيارتها كما يحتوي على أرقام الهواتف التي يمكن الاتصال بها بقسم شؤون الرعايا بالسفارة بالإضافة الى أرقام الهواتف المهمة في البلد المضيف كمراكز الشرطة ومكاتب الخطوط والاسعاف والمستشفيات وقد قامت وزارة الخارجية -تعميماً للفائدة- بعرض هذه الكتيبات على الموقع الخاص بوزارة الخارجية في شبكة الانترنت وقد تم تحديث هذه الكتيبات بناء على ما يردها من سفارات المقام الكريم من ملاحظات وما أضافته من بيانات وأرقام للجهات المختصة في الدولة المضيفة. كل ما ذكر غيض من فيض جهود الراحل الكبير التي أسس لها بعقليته المتبصّرة وحسّه الوطني العميق وامتثاله لتوجيهات القيادة الرشيدة التي جعلت من انسان هذا الوطن متصدّراً لقائمة اهتماماتها. الراحل الكبير متعدد القدرات والمواهب الأمير سعود الفيصل موقعاً إحدى الاتفاقيات