تجتهد مشكورة هيئة مكافحة الفساد في حملاتها التثقيفية لعلها تقضي على الفساد الذي هو حديث المجالس وتتطلع الى ان تخلق جيلا اداريا في جميع المصالح العامة المدنية والعسكرية وكذلك القطاع الخاص والخيري الذي نرى انه بعيد عن عين نزاهة ربما لان قاعدته قليلة والناس تفترض حسن النية فيه وكذلك لقيمة العمل فيه وارتباطه بالآخرة فإن هيئتنا الغالية ترى انه ليس ضمن الاولوية الآن وقد نجد لهم العذر في ذلك متطلعين الى ان تقوم الجهات المسؤولة عن لجان وجمعيات وهيئات الاعمال الخيرية بمزيد من المراقبة والمتابعة وحضور الاجتماعات حتى تضمن سلامة الاداء للأعمال الادارية والمالية في ذلك القطاع المهم الذي يمثل الركن الثالث في مقومات حركتنا الاقتصادية والمعيشية وارتباطه بفئات غالية جداً علينا نستهدف قضاء حاجاتهم وتلبية طلباتهم فهم اهل الفضل الذين اتاحوا للمتطوعين ان يخدموهم ويحققوا تطلعاتهم ولولا هذا الامر فكيف لنا باكتساب الاجر والمثوبة والوصول لرضا الله سبحانه وتعالى وتحقيق الخيرية في امة محمد حتى قيام الساعة وفي هذا تحقيق لأسمى درجات الايمان ونحب لغيرنا مثلما نحب لأنفسنا وهي درجة اذا وصل اليها الانسان فهو في خير من الله وسيحس عندها برضا داخلي وقيمة حقيقية في حياته. ان الفساد الذي اصبح هو المقال والحديث والحوار والمسرحية والفيلم والمسلسل وخطبة الجمعة والمحاضرة والذي يعلم الجميع انه لا يقصد به الاختلاس المالي فقط. ولكن هناك فسادا آخر يأتي من خلال الاستنفاع بأجزاء الوظيفة وموجوداتها وهو ما يغفل الكثير عنه وقد ينتبه البعض الى التطهر منه عند مغادرة الوظيفة بالتقاعد او النقل ولسماحة الشيخ محمد بن عثيمين وعدد من مشايخنا فتوى واضحة في ذلك وهذا الامر في حالة الاستفادة منه ويعتبر من قبل الفساد الاداري الذي ينتهي بالمال لأنه له ثمن وكذلك يرفض هذا الامر المنطق والعرف والعقل، فالتصوير للورق او استخدام الهاتف او الانترنت او تكليف الموظفين الذين تدفع رواتبهم الجهات التي وظفتهم لأمور خاصه حتى وان دفع المسؤول مقابل لهم عن ذلك لان القصد في تخصيص الراتب قد ربط بالوقت الذي يمضيه الموظف في عمله وان كان البعض يصرف لهم خارج دوام تقديراً لتلك الخدمات ويصبح الوزر او الفساد مضاعف وبالتالي السيارات والوقود والانتداب وخارج الدوام دون وجه حق او حاجة الا لمجرد كسب الرضا وولاء الموظفين وننسى أن في المال إن كان حلالا- حساباً يوم القيامة وإن كان حراما، فعقاب ينتظر صاحبه. ومن باب الفساد الاتجار والاستفادة من خلال الوظيفة سواء بهبات او هدايا او استنفاع لا يحصل الى بها وهو ما يغفل عنه البعض او يتساهلون فيه ويعتبرون ذلك من المنافع الجائزة لصاحبها وليس فيه فساد يدان به من يفعله وابتعدوا عما قيل عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنَ الْأَسْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ قَالَ: عَمْرٌو وَابْنُ أَبِي عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي أُهْدِيَ لِي، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: "مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ" ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ" مَرَّتَيْنِ. أخرجه أحمد. والفساد الآخر الذي ينخر عظم اجهزتنا الحكومية والخاصة هي المفاضلة الظالمة في التوظيف والترقية حتى يتحول الهيكل الاداري والقيادات فيه ان كتب لقائد هذا الجهاز عمراً في منصبه الى هيكل الاهل والاصدقاء ولذا فإن لهيئتنا الغالية دورا في تفعيل الرقيب الذاتي ومحاولة انبات الفضائل الوظيفية في النشء لكي نبدأ خطواتنا الايجابية نحو الحرب على الفساد بكل صوره كما يوجهنا ديننا الحنيف في كل مناشط حياتنا، مع اليقظة المبكرة من الجميع لمثل هذه التصرفات كي تقي اجهزتنا الكثير من السلبيات وتجعل الآخرين ينعمون بحقوقهم التي يجب ان تكون الاولية لهم فيها وهو الامر الذي تتكرر الاشارة اليه من ولي الامر متعه الله بالصحة والعافية والدور المطلوب كبير في التصحيح ولكنه ليس مستحيلا للصادق وعلى القوي الامين طالما نحن جميعاً مؤمنون ان هذا من الامانة الوظيفية ويجب ان يقدم للمستحق دون تفضل طالما هي حق له كفله النظام وما كفله النظام فقد كفله الشرع ومخالفة النظام هي مخالفة للشرع الذي ينظم معاش الناس. ختاماً... فإن من الاصلاح ان نركز بين فترة واخرى على الايجابيين في العمل ونذكر تجاربهم للاقتداء بهم وجعلهم نموذجا للصادقين في أداء اعمالهم ونقابل تيار الفساد بتيار الصلاح ونقارن السلبية بالإيجابية ونعطي انفسنا صورة حسنة عن المجتمع الوظيفي بقطاعاته الثلاثة لأننا اصبحنا كمن يتمنى الضوء ولو من بعيد من تركيزنا على الفساد والسلبية والنقد ووصلنا في كثير من الاحيان الى ان المجتمع بالصورة المنقولة عنه لا يحمل الايجابية وهذا مخالف للواقع بحمد الله.