بعض القرارات والنشاطات والحملات قد لا تأتي إلا كرد فعل على قضايا طارئة أو حوادث معينة تهز المجتمع. الأمثلة متوفرة في مجالات كثيرة: توظيف خريجين في مجال معين، العمالة غير النظامية، حوادث سيارات نقل المعلمات، آثار الأمطار، السقوط في الآبار، انهيار المباني، الحرائق، حوادث تفحيط السيارات، الأخطاء الطبية، حالات التسمم بسبب الأكل في المطاعم، العنف الأسري، انقطاع الكهرباء والمياه، قضايا الفساد المالي والإداري، ظهور أمراض معينة، وغير ذلك. ومن الطبيعي أن الإدارة لا يمكن أن تنحصر في المبادرات، والتخطيط لكل شيء فهذا مستحيل فلا يمكن اعتبار (رد الفعل) إجراءً سلبياً في كل الأحوال. غير الطبيعي هو أن تكون الإدارة سجينة لرد الفعل! غير الطبيعي هو أن يتحول الفعل إلى أداء روتيني مكرر رغم تغير الظروف والاحتياجات والطموحات! في الإدارة الحكومية حصلت تطورات على مستوى استخدام التقنية الإدارية وتبسيط الإجراءات. أما على مستوى التغيير الاستراتيجي فهو تغيير يظهر نسبة التباين بين فينة وأخرى في بعض الأجهزة ويختفي في أخرى تبعاً لتغير القيادات والظروف وأحياناً يأتي التفكير الاستراتيجي كرد فعل على أحداث معينة كما يحصل في بعض الوزارات التي يتغير وزراؤها أو قيادات فيها. كل جهاز من القطاع العام أو الخاص لديه مسؤوليات محددة، تنطلق منها الرؤية والرسالة والأهداف. وفي هذا الإطار من المهم ومن أساسيات العمل أن توجد خطط عمل واضحة وذات أهداف قابلة للقياس. وبناء على ذلك يفترض ألا ينتظر الجهاز حدوث مشكلة حتى يتحرك. لن ينتظر حدوث حريق في مجمع نسائي كي يضع نظاماً لدخول رجال الإسعاف، ولن ينتظر جهاز آخر سقوط طفل في حفرة الصرف الصحي كي يجد حلاً، ولن يؤجل مجلس الشورى إقرار أنظمة تحارب العنصرية والعنف الأسري والتحرش الجنسي. ولن ينتظر المسؤولون عن الملاعب الرياضية حدوث إصابات أو وفيات لا سمح الله كي يضعوا تنظيماً عملياً لدخول وخروج الجماهير، ولن تنتظر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مزيداً من التوتر في العلاقة مع المجتمع حتى تراجع أنظمتها وصلاحياتها وإجراءاتها! هناك شيء اسمه المبادرات وطرح الأفكار الجديدة والحلول الاستباقية المبنية على دراسات وتوقعات تضع البدائل والخيارات أمام متخذ القرار. ومن المعروف أنه على الرغم من أهمية رأس المال والخبرة في ميدان الأعمال إلا أن الأفكار أهم ما يحتاجه الإنسان في هذا المجال. السؤال الآن، كيف نصل إلى الأفكار الجديدة والإبداعية وكيف نختار الأفضل؟ الإجابة على السؤال السابق نتعرف عليها بطرح أسئلة أخرى تتعلق بالفوائد المتوقعة من تنفيذ الفكرة وتناغمها مع استراتيجية المنظمة، وتكلفة التنفيذ، والجدول الزمني. ففتح الباب لدخول أفكار إدارية جديدة وتشجيع تقديم المبادرات والحلول هو أحد الطرق التي تنقل المنظمة - حكومية أو أهلية - من دائرة رد الفعل الى أفق الفعل.. هل يوجد في منظماتنا مجال أو آلية أو برنامج يجعل بيئة العمل بيئة محفزة على الإبداع؟ هل يوجد معايير لتقييم المبادرات والأفكار؟ في مسيرة التنمية الإدارية في المملكة وجدت أفكار ومبادرات ليست قليلة تحولت إلى واقع نذكر منها عل سبيل المثال مشروع سابك، والصندوق العقاري، وصندوق الموارد البشرية، وحافز، والجمعيات الخيرية والإنسانية مثل جمعية أواصر، ومبادرات الجوازات والأحوال المدنية في تطوير إجراءاتها، وبرنامج المناصحة، ومبادرات متميزة في مجال المسؤولية الاجتماعية، وغيرها كثير يصعب حصره على مستوى إطلاق المشاريع الاستراتيجية الكبرى وعلى مستوى الأساليب والإجراءات. وحين نراجع واقعنا الإداري نشعر أننا بحاجة إلى مبادرات جديدة تتعامل مع قضايا حيوية مثل تطوير التعليم، والخدمات الصحية، وتطوير القضاء، والإسكان، والتوظيف وارتباطه بمخرجات التعليم. كما تكشف المراجعة وجود مشكلات موسمية تحتاج إلى أفكار جديدة ومبادرات مثل ما يحدث من أخطاء لدى العديد من الشركات الخدمية، والضغط على شركات الطيران والمنافذ الحدودية البرية أثناء الإجازات وغيرها. إن اجتماعات العصف الذهني هي إحدى الوسائل الجيدة في كسب أفكار جديدة حيث تتيح الفرصة للاستماع لكل الأفكار حتى لو اتسم بعضها بأنها غير منطقية. كما أن مشاركة الرئيس أو المدير فيها لا تعني أن فكرته هي التي سيتم اختيارها إذ لا بد من وجود معايير تستخدم لاختيار الأفكار الأفضل. فهذا العصف الذهني مطلوب على مستوى المنظمة ومستوى الإدارات والأقسام ذلك أن تعميم هذا الأسلوب يجعل الإبداع من المبادئ الأساسية في سياسة المنظمة وإحدى القيم الإدارية التي تلتزم بها لتكون فاعلة مبادرة لا تنتظر وقوع المشكلة كي تتحرك. يقول رئيس إحدى الشركات ومديرها التنفيذي:(كثيراً ما أذكر مدراءنا بأن التجربة والممارسة اليومية تعلمني كل يوم بمقدار ما كنت أتعلمه يومياً في كلية التجارة. ويعود الفضل في ذلك إلى إصغائي إلى ما يقوله ويطرحه الآخرون من أفكار. إن الإصغاء وتبادل الأفكار بقصد التعلم يكاد يكون أهم عنصر من عناصر النجاح بالنسبة لي كمدير تنفيذي. المصدر: رسائل مفتوحة الى الرئيس الأمريكي(مكتبة العبيكان.) وإذا كان الإصغاء للآخرين وتبادل الأفكار له هذه الأهمية فهل أوجد المديرون الوقت الكافي للعصف الذهني من أجل تقديم أفكار جديدة وطرح مبادرات مستقبلية؟ إن فتح الباب والنوافذ للأفكار الجديدة يعني أن المنظمة تلتزم بالتطوير المستمر الذي يجعلها قادرة ليس على التكيف للمتغيرات فقط بل إدارتها. وتقتضي عملية التطوير المستمر حسن اختيار فريق العمل، وإيجاد بيئة تحقق الانسجام وتحفز على الإبداع. كما تقتضي إتاحة المجال لجميع العاملين في كافة المستويات للمشاركة في الحوارات التي تخدم اتخاذ القرارات. كما أن المشاركة هي أحد الأساليب الإدارية الفعالة التي تساهم في نقل الإدارة من رد الفعل إلى الفعل. ومن إيجابيات المشاركة تحقيق الإثراء والتكامل في الجهود والأفكار وهذا بدوره ينعكس على تعزيز الانتماء والعطاء ويسهم كنتيجة في تطوير الأداء حيث يشعر الموظف أنه عنصر مهم وأن بإمكانه تقديم الحلول والإسهام في اتخاذ القرارات بما فيها القرارات الاستراتيجية. ويبدو أنه رغم أهمية المشاركة وإيجابياتها الكثيرة إلا أن زحمة المهام اليومية لا تتيح الفرصة لهذا المبدأ الإداري المهم في استقطاب وجذب الأفكار لذلك لا بد من جدولة وقت محدد لتبادل الأفكار على مستوى المنظمة ومستوى الإدارات حتى تكون المشاركة متاحة للجميع وقد يأتي الحل أو المبادرة أو الفكرة من شخص في الظل. لا بد من التأكيد في الأخير وكما أشرنا في بداية المقال أن الاستجابة لما يحدث في المجتمع (رد الفعل) لا يعني الفشل بل يعني الحيوية وسرعة التفاعل. وحين نتحدث عن رد الفعل بطريقة نقدية أو سلبية فهذا يعني ألا يقتصر العمل على رد الفعل (رغم أهميته) وأن تخصص الأجهزة الحكومية والمؤسسات وقتاً ومجالاً لجذب الأفكار وتشجيع المبادرات وأن تكون المشاركة متاحة لجميع العاملين بكافة مواقعهم ومستوياتهم الوظيفية.