اجمل الاوقات وأحلاها عندي (ساعة الفراغ) هي التي اقضيها في جنبات مكتبتي باحثاً او مطلعاً.. وقد تاقت نفسي ذات يوم لكتاب ادبي قديم كثيراً ما عدت اليه انه كتاب (الأمالي لأبي علي القالي) لكنني لم اجده رغم البحث والتقصي، ولعله قد انزوى بين ارتال الكتب التي لم يشملها التنظيم المكتبي أم انه أعير ولم يعد كغيره من الكتب المعارة.. فغيرت وجهة البحث عن كتاب آخر لا يقل قيمة ادبية عنه لعلي اجد بين صفحاته ضالتي المنشودة.. وبعد حصولي عليه وقبل الغوص في أعماق موضوعاته العديدة المتنوعة ذكرني اسمه الجميل بمقولة سبق ان سمعتها من احد المعلمين كان يدرسنا اللغة العربية وآدابها (بأن من لم يقرأ كتاب جواهر الادب في ادبيات وانشاء لغة العرب لمؤلفه السيد احمد الهاشمي رحمه الله .. فليس اديبا) لأن هذا الكتاب يعد في نظره من الكتب الهامة في بابه، وقد وصفه بعض العلماء والعظماء تقديرا لمؤلفه وتقريظاً لمحتواه (بأنه دائرة معارف ادبية كبرى، وانفس كتاب الف في اللغة العربية وتاريخ آدابها صدر عن تجربة وحكمة). | ومرت الأيام ومقولة هذا المعلم راسخة في ذهني ورغم قلة ذات اليد حينذاك وعشقي للقراءة ومتابعتي لجديدها الا انني وفقت لاقتنائه وقراءته اكثر من مرة.. وان يكون من أولويات محتويات مكتبتي.. وصدقت مقولة معلمي عن قيمة هذا الكتاب وجودة محتوياته في علوم اللغة العربية وآدابها وحسن اختيار الموضوعات التي تضمنها. | وقد دفعني الى استلهام هذه الخاطرة والحديث عن الكتب القديمة وما تكتنزه من تراث خالد اصيل.. ما قرأته اخيرا لشاعرة وكاتبة عربية.. تتساءل عن قائل هذا البيت: لا تقل اصلي وفصلي ابدا انما اصل الفتى ما قد حصل | فأقول بعد كرم الله وتوفيقه : ان قائل هذا البيت هو (عمر بن الوردي المتوفى سنة 749ه مخاطبا ولده بقصيدة نصحيه طويلة بلغت ابياتها 42 بيتاً وردت في الجزء الثاني من كتاب جواهر الادب مدار حديثنا هذا طبعة سنة 1381ه 1962م ص (435 / 436 / 437) بدأها بقوله: اعتزل ذكر الاغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل ودع الذكر لأيام الصبا فلأيام الصبا نجم أفل واهجر الخمرة ان كنت فتى كيف يسعى في جنون من عقل واتق الله فتقوى الله ما جاورت قلب امريء الا وصل | الى ان قال: اطرح الدنيا فمن عاداتها تخفض العالي وتعلي من سفل كمن شجاع لم ينل فيها المنى وجبان نال غايات الامل (لا تقل اصلي وفصلي ابدا انما اصل الفتى ما قد حصل) قيمة الانسان ما يحسنه اكثر الانسان منه أم أقل ليس يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة في رأس الجبل ان نصف الناس اعداء لمن ولي الأحكام هذا ان عدل | والقصيدة في مدلولها تفيض بالعبرة والحكمة وسحر البيان اهداها الشاعر لولده قبل (682) عاماً ومازالت صالحة في معناها ومبناها لكل زمان ومكان.. راغباً من ولده ان يتخذ منها في حياته المستقبلية مطية يعبر بها معترك الحياة بهمة وشجاعة وصبر وعزم لا يغتر بمباهج الدنيا الفانية ولا بآمالها الخلبية فهي الى نهاية ونعيمها الى زوال.. وصدق القائل: اذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم ودوام عليها بشكر الاله فإن الاله سريع النقم.