في تلك اللحظة التي لم تعد تقاس بزمن، وبين يأس ابن وذعر زوجة وآلة تصرخ وخط مستقيم لا ينذر بحياة تحدث معجزة!! لم تُسمَّ المعجزات -أوالخوارق- بهذا الاسم إلا لكونها أحداثاً تخرق العادة، بالإضافة إلى كونها تُعجز العقل عن فهمها وتترك من تحدث له تحت تأثير الدهشة، الكهرباء مثلًا كانت من أهم المعجزات التي عرفتها البشرية، لكن لو عاش مخترع الكهرباء إلى وقت قريب لأصيب بالإحباط أو ربما لصعق نفسه كهربياً، والسبب أنه لم "يخترع" الكهرباء من العدم بل كشف عن وجودها في مكان قريب جداً منه وهوالجسد، وما جهاز تخطيط القلب إلا قياس لتلك الكهرباء، ما قد يجعله يتراجع في اللحظة الأخيرة عن قرار الانتحار هو معرفته أن اكتشاف الكهرباء في القلب أدى أيضاً إلى مبدأ إنعاشه بها حين توقفه، وهاهم ينظرون إلى ذلك الجهاز ليطمئنوا، وهاهو لن يُضم إلى أعداد الموتى -ليس اليوم على الأقل- وعودة قلب ينبض هي طبعاً معجزة. سُيمنح أحدهم فرصة أخرى للحياة ولن يترك من يحب، وربما فرصتين أو ثلاثاً أو حتى أكثر، ستجحظ أعين ويتنفس الكثير الصعداء لكنهم لن يخسروا من يحبون، وحينها سيسمى تباعد مفترق الحياة والموت ولو يوماً معجزة! من فارق الحياة حتماً ذهب إلى مكان أفضل -بإذن الله- ورغم ذلك الخارق الذي حدث مع من عاد ليحيا وشاكس نواميس الدنيا لا أستطيع ألا أفكر كيف يمكن أن يقضي عمره "الجديد"وأي التواريخ سيستخدم كتاريخٍ لميلاده، و أي لطف إلهي حل به واختاره ليكمل دوراً ما لم ينتهِ بعد، يا لأهميته!! استنتج هو أخيراً أن وجود الحياة هو الحدث الخارق لا تذبذبها ولا الكهرباء التي تدل على وجودها، وقف على رأس أبيه وتمتم: أيهما أولى بأن يسمى "معجزة" احتمال حياة على سرير أقرب إلى الموت أم تلك الحياة التي تُرسل فينا كل صباح؟!