كان -رحمه الله- أبرز من جمع بين الشريعة والقانون في لجنة إعداد مشروع النظام الأساسي في تشكيلها الأول والثاني تظهر جهود الشيخ صالح الحصين -رحمه الله- وإصلاحاته العلمية والعملية، على نحو نوعي في توظيف خلفيته الشرعية والقانونية المحكومة بالشريعة في خدمة الشريعة الإسلامية علميًا وعمليًا وتنمويًا.. وقد أشار الشيخ صالح الحصين رحمه الله إلى تاريخ تجربته ومجالات توظيفها الإصلاحي، في قوله: "خلال مدة تزيد عن خمس وخمسين سنة قامت صلتي بالقانون دراسة، وتدريسًا، ومستشارًا قانونيًا في الإدارة العامة، ومشاركًا في كتابة عدد من الأنظمة ومشرفًا على تطبيقها.."؛ ولم يذكر الشيخ ذلك مفاخرة ومباهاة فهو من أبعد من رأت عيني عن ذلك، وإنما ذكره تمهيدًا وتأكيدًا لطرح رؤية إدارية إصلاحية مهمّة، سيأتي الحديث عنها لاحقا إن شاء الله.. وتوظيف الشيخ لعلم القانون في خدمة الشريعة يتجلى في الجانب العلمي التعليمي والعملي والفكري بوجه عام .. فأمَّا الجانب العلمي التعليمي، فيظهر في صور، منها: تدريسه في وقت مبكرٍ لمقررات مهمّة، غير مألوفة التدريس في المؤسسات العلمية الشرعية حينها، ومثال ذلك: تدريس الشيخ في شبابه، لمقرر "العقود الإدارية" بالمعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لا سيما أنَّ المعهد يُعدّ أوّل وحدة علمية أكاديمية للدراسات العليا في المملكة؛ وقد علمتُ بتدريس الشيخ فيه من شيخنا الجليل الدكتور عبدالرحمن الدرويش حفظه الله، فقد سمعت منه أنَّ الشيخ أوّل سعودي درسهم موضوعات تتعلق بالأنظمة في المملكة؛ ثم سألت الشيخ صالح الحصين رحمه الله عن ذلك، فأخبرني أنَّه درس العقود الإدارية بالمعهد آنذاك، وكان حينها مستشارًا في وزارة المالية . كما درّس الشيخ رحمه الله مقرّر "القانون الدولي الخاص" بكلية التجارة في جامعة الرياض، المعروفة اليوم بجامعة الملك سعود؛ وكان ذلك على إثر سحب رئيس مصر جمال عبدالناصر للأساتذة المصريين الذين كان عدد منهم يدرس مقررات القانون والأنظمة في الجامعة؛ إذ أوجد سحبهم فراغًا في تدريس بعض هذه المقررات، فكان للشيخ صالح الحصين رحمه نصيب من سدّ ذلك الفراغ، إذ كُلّف بذلك مع وظيفته الأصلية، وقد رأيت الشيخ رحمه الله وهو يتحسّر على فقد مذكرة محاضراته في "القانون الدولي الخاص"! ومن عانى فقْد بعض ما كتَب من علم جمعه ثم حلله ثم قارنه وحرّره، يدرك سبب حسرة الشيخ، فقد كان الشيخ باحثًا مبدعًا متأمّلًا محرّرًا لما يكتب، ولم يكن قصّاصًا لصّاقًا! كما أنَّ طريقة الشيخ صالح الحصين رحمه الله في تدريس القانون لا تخلو من المقارنة الشرعية التي يظهر جهده الخاص فيها، ولعلي أشير إلى شيء من ذلك في الحديث عن الجانب الفكري الإسلامي للشيخ رحمه الله؛ ولعلّ الله ييسر العثور على نسخة من مذكرة محاضرات الشيخ في القانون الدولي الخاص .. وقد درّس الشيخ رحمه الله –أيضًا- بعض المقررات في معهد الإدارة العامة، منها : مقرّر "القانون الإداري"، وقد تميزت محاضراته في هذا المقرر بالاختصار المفيد، والمقارنات النافعة، وقراءة التراث الفقهي الإداري بعمق وتقدير.. وأمَّا الجانب العملي فيظهر جليًا في أهمّ عملٍ إصلاحي شارك فيه الشيخ رحمه الله على مستوى سنّ وصياغة الأنظمة العليا في المملكة العربية السعودية؛ فقد كان -رحمه الله- أبرز من جمع بين الشريعة والقانون في لجنة إعداد مشروع النظام الأساسي في تشكيلها الأول والثاني، الأول: الذي جاء في بيان الديوان الملكي بهذا الشأن عام 1400ه، إذ نصّ البيان على تعيين الشيخ صالح الحصين ضمن مجموعة التسعة لإعداد مشروعات: النظام الأساسي، ونظام مجلس الشورى، ونظام المقاطعات (المناطق).. وكذا في تشكيلها الثاني، الذي جاء بعد إجراء تعديلٍ على التشكيل الأول، بلغ فيه عدد أعضاء اللجنة النهائي عشرة، ولذا يُعبّر عنهم بمجموعة العشرة.. ويُعدّ النظام الأساسي للحكم عند فقهاء الدستور الإسلامي نموذجًا إسلاميًا عصريًا مهمًا في عنايته بسيادة الشريعة الإسلامية، ودقة صياغة المواد التي تؤكّد هذه السيادة وتلزم جميع سلطات الدولة بالتزامها.. وقد كتبت عن ذلك في أكثر من موضع ومن آخرها مقالات الدستور الإسلامي.. وكذا مشاركة الشيخ رحمه الله في صياغة ومراجعة عدد من الأنظمة والإشراف على تطبيق بعضها كما سبق .. إضافة إلى جملة من الجهود الاحتسابية في موضوعات عديدة، ومن ذلك مراسلاته بمقترحات وتوصيات ونصائح لعدد من الجهات والوجهاء وغيرهم.. وثمة جهود مهمّة بدأها الشيخ رحمه الله ولم ينهها إذ أدركه الأجل سائرًا في سبيل مشروعات ترمي لمصلحة الإسلام والمسلمين في العالم الإسلامي والعربي، والحديث في هذا ذو شجون! كتب الله للشيخ أجر ما بدأ وما نوى من عمل صالح وأعمال إصلاحية.. وأمَّا الجانب الفكري فهو موضوع المقالة التالية إن شاء الله تعالى ..