أعلنت وزارة الثقافة والإعلام عزمها إغلاق القنوات الفضائية التي تسعى إلى إثارة الفتنة الطائفيّة ، والتفرقة العنصرية بين أفراد المجتمع ، وهذا قرار حكيم وإن جاء متأخرا . افتتاح القنوات الفضائية أصبح اليوم في دكاكين على شوارع خلفية ، مثلها مثل جامعات وكليات الشقق المفروشة التي تمنح شهادات الماجستير والدكتوراه للمنخنقة والمتردية والنطيحة . تجلس أمام أقمار الفضاء العربي وتمارس عملية استعراض ثقافة دكاكين الشوارع الخلفية فتجد العجب العجاب ، أغاني هابطة ، ورسائل ماجنة ، ووصفات طبية قاتلة ، ودعايات مضللة . فتاوى نص كمّ ، و تعابير رؤى بالمتر المكعب ، ومقابلات حصرية في تكاذيب الأعراب ، ومجالس شعر تصيبك بالاكتئاب ، واستعراض منقيات وسيارات يعيدك لعصور ما قبل التاريخ ، و منافرات شعرية بين القبائل توغر الصدور ، وتكرس العنصرية في وقت أحوج ما نكون فيه إلى التلاحم والمحبة ونار الفرقة تشتعل في أطراف ثيابنا . أحسنت وزارة الثقافة والإعلام في قرارها وإن جاء بعد الطوفان ، فاليوم الشباب يتداول كثيرا من مقاطع الفيديو التي تبثها بعض هذه القنوات لا يمكن أن تصدر من عاقل ، ولا يقبل بها من في قلبه مثقال ذرة من حياء أو وطنية ، فهي جاهلية مقيتة تكشف فراغا رقابيا على ثقافة كراهية و عنصرية مقيتة وطائفية بغيضة . لكن الوزارة وستذكرون ما أقول لكم وضعت يدها في عش الزنابير ، وعليها أن تكون بحجم الوطن ، وبقدر الظرف التاريخي الذي نعيش فيه ، فالوحدة الوطنية خط أحمر لا ينبغي أن يسمح باختراقه مهما كان الثمن . سمعنا من بعض القنوات كلاما قبيحا من دعاة ، وأطباء نفسيين ، وشعراء عشائريين لا ينبغي التسامح معه ، لأن الكلمة مسئولية ، والزمن زمن الصورة فالكلمة الفضائية يتابعها الصغير و الكبير والعالم والجاهل ، لكن السؤال الجوهري هل لدى الوزارة رؤية واضحة وتصور دقيق للمشكلة وأبعادها حتى لا تقع في التخبط وتأخذ الصالح بجريمة الطالح ؟ . كما أن الوزارة إذا أرادت أن تشرع في حملة التطهير هذه ، فيجب أن تكون حملة شاملة ضد الفكر العنصري والطائفي والمناطقي ، وضد ثقافة المجون والخلاعة التي تروج لها بعض القنوات الفضائية ، فإذا كانت الوزارة تريد أن تكون حارسة للفضيلة فالفضيلة لا تتجزأ ، و القوارض الاجتماعية كما هي موجودة في قنوات أبو ريالين ، شعرا ، ورسائل ، و برامج فإنها موجودة كذلك في قنوات النجوم الخمسة المسنودة برأس البندقية ، ولا أحد فوق القانون . ولتبدأ الوزارة بنفسها وبقنواتها ، فأحيانا تكون بعض البرامج المفتوحة بين المذيعين أحاديث باردة ، و سوالف جلسات خاصة لا تليق ببرامج عامة يسمعها الناس في كل مكان وبمختلف الثقافات والأعمار . إن الوزارة تحتاج إلى عمل منظم وجاد وصارم حتى لا تكون قراراتها مثل قرارات بعض الوزارات الأخرى التي يصدق عليها المثل العربي القديم : نسمع جعجعة ولا نرى طحنا . اليوم في عالمنا العربي هناك هجرة معاكسة إلى الكيانات الصغيرة ، وهناك قابلية للتفتيت والتشرذم ، وكثير من هذه القنوات ستكون عود الثقاب الذي يشعل نار الفتنة وحرائق الكراهية والتعصب . فلا ينبغي أن نسمح لهذه الطيور أن تضع أعشاشها على رأس الوطن لأن رأسه غير قابل للاستيطان . [email protected]