يوم عرفة من الأيام الفاضلة، تجاب فيه الدعوات، وتقال العثرات، ويباهي الله فيه الملائكة بأهل عرفات، وهو يوم عظَّم الله أمره، ورفع على الأيام قدره. وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب والعتق من النيران والمباهاة بأهل الموقف. وينبغي المحافظة على حفظ الجوارح عن المحرمات فيه والإكثار من التهليل والتسبيح والتكبير والدعاء بالمغفرة والعتق فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير). فعلى المسلم أن يتفرغ للذكر والدعاء والاستغفار في هذا اليوم العظيم، وليدع لنفسه ولِوالديْه ولأهله وللمسلمين، ولا يتعدى في عدائه، ولا يستبطئ الإجابة، ويلح في الدعاء، فطوبى لعبد فقه الدعاء في يوم الدعاء. والحذر من الذنوب التي تمنع المغفرة في هذا اليوم، كالإصرار على الكبائر والاحتيال والكذب والنميمة والغيبة وغيرها. ومن آداب الدعاء في هذا اليوم الوقوف مستقبلًا القبلة رافعًا يديك، متضرعًا إلى ربك معترفًا بتقصيرك في حقه، عازمًا على التوبة الصادقة. وحول يوم عرفه وفضله كتب الدكتور راشد بن معيض العدواني عضو هيئة التدريس في كلية الدعوة بالمدينة بجامعة الأمام: إن الليالي والأيام، والشهور والأعوام، تمضي سريعا، وتنقضي سريعا؛ هي محط الآجال؛ ومقادير الأعمال فاضل الله بينها فجعل منها مواسم للخيرات، وأزمنة للطاعات، تزداد فيها الحسنات، وتكفر فيها السيئات، ومن تلك الأزمنة العظيمة القدر الكثيرة الأجر يوم عرفة تظافرت النصوص من الكتاب والسنة على فضله فمنها: فهو أحد أيام الأشهر الحرم وأحد أيام أشهر الحج وأحد الأيام المعلومات وأحد الأيام العشر التي أقسم الله بها منبها على عظم فضلها وعلو قدرها وأحد الأيام العشرة المفضلة في أعمالها على غيرها من أيام السنة. أكمل الله فيه الملة جاء الفضل في صيام هذا اليوم على أنه أحد أيام تسع ذي الحجة التي حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيامها فعن هنيدة بن خالد -رضي الله عنه- عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر: أول اثنين من الشهر وخميسين) صححه الألباني في كتابه صحيح أبي داود. كما جاء فضل خاص لصيام يوم عرفة دون هذه التسع قال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن صيام يوم عرفة: يكفر السنة الماضية والسنة القابلة رواه مسلم في الصحيح وهذا لغير الحاج وأما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف. وعظم الدعاء يوم عرفة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة) التكبير هذا اليوم: فقد ذكر العلماء أن التكبير ينقسم إلى قسمين: التكبير المقيد الذي يكون عقب الصلوات المفروضة ويبدأ من فجر يوم عرفة. وفيه ركن الحج العظيم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) متفق عليه. فيما ذكر معالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة العلمية للبحوث والافتاء في أحد فتاويه أنَّ الدُّعاء يوم عرفة عامٌ للحُجَّاج وغيرهم؛ لكن الحُجِّاج على وجه أخصّ؛ لأنَّهم في مكانٍ فاضل، وهم مُتلبِّسون بالإحرام، وواقِفون بعرفة؛ فهم -يعني- يتأكَّد الدُّعاء في حقِّهم والفضل في حقِّهم أكثر من غير الحُجَّاج. وأمَّا بقية النَّاس الذين لم يحجُّوا فإنَّهم يُشرع لهم الدُّعاء والاجتهاد في الدُّعاء في هذا اليوم؛ ليشاركوا إخوانهم الحُجَّاج في هذا الفضل. والنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)). فالدُّعاء مشروع في يوم عرفة للحاجِّ ولغيره؛ لكنَّه في حقِّ الحاجِّ آكدُ وأفضل؛ لما هو متلبِّسٌ به من المناسِك، ولما هو فيه مِن المكان العظيم الفاضِل. وأمَّا الزَّمان وفضل الزَّمان فيشترك فيه الحُجَّاج وغير الحُجَّاج، وأمَّا المكان فيختصُّ به الحُجَّاج؛ وهو الوقوف بعرفة.
