إن كل ما يرتبط بالمشاهدة البصرية كتفسير لعنوان المعرض هو في الحقيقة نوع من ال «حوار البصري»، يتم بين المتلقي واللوحة، هذا الحوار هو اتصال مباشر أو غير مباشر مصدره المتلقي اتجاه أي منتج تشكيلي، والجدل هنا ما يحققه هذا الاتصال البصري من تفاعل وتوحد لينتج في النهاية نقاشًا إيجابيًا قد يرتبط بمستوى العرض أو نوعية الطرح، وفي كلا الأحوال فهذا الجدل هو (تغذية راجعة) يستفيد منها المتلقي والفنان. وحوارات جدلية هو المعرض الأول والذي أقيم في صالة (أتيليه جدة) بإشراف مباشر من قبل الأستاذ (هشام قنديل) والذي قدم من خلال هذا المنجز دورًا ايجابيًا يستمر لإنجازاته السابقة في تقديم المواهب الشابة بجانب تجارب وأسماء معروفة ليصل بهذا السلوك إلى هدف الانصهار وتلاقح الخبرات البصرية بين الأجيال. وقد ضم هذا المعرض (عبدالله إدريس، فهد الحجيلان، واحسان برهان، وفهد النعيمة، وريم الديني، نورا قابل، هبة عابد) والحقيقة ومن الرؤية الأولى للمعرض نكتشف انه لا يوجد ارتباط في الطرح التشكيلي، كما نشاهده أحيانًا في بعض المعارض الجماعية فكل واحد منهم له أسلوبه وتوجهه الخاص الذي يؤمن به ليتواصل من خلاله مع المشاهد. فقدم (عبدالله ادريس) وهو غني عن التعريف مجموعة أعمال تنتمي إلى أعماله السابقة والتي اعتدنا عليها من تلقائية وتبسيط ليشعرنا حينها وكأننا أمام رسوم بدائيه خاصة بالكهوف تنتمي إلى عصر ما، فالفن الذي يتبناه هو تعبير مجرد عن كل شكل مادي نبصره في الواقع لكي نصل إلى جوهر الأشياء وبالتالي سوف نصل إلى الحقيقة، وهو ما يصبو إليه (إدريس) غير ان التمرد الواضح في رسم الخطوط والعناصر لم يقابله تقشف في اللون فإدريس يحتفي باللون وإلى هذه اللحظة لقناعات ترتبط به بالتأكيد.. و(فهد الحجيلان) يقدم وباستمرار منجزًا فنيًا ناضجًا وجريئًا يتسم بالبنائية الجمالية المتقنة والتي يعتريها أحيانًا نوع من التلقائية، تلك الجرأة لم تأتِ عبثًا او استعجالًا كسمة نشاهدها كثيرًا من خلال بعض الفنانين، إنما هي ممارسة فعلية ووعي كامل باللون والخط والمساحة، يعبر من خلال ذلك عن الواقع بشكل مجرد ليخلق أجواء مختلفة تشبه واقعه الخاص في العقل الباطن، ورغم ارتباط الحجيلان في صياغته التشكيلية إثناء الممارسة بالمرأة، إلا إنه حين نبصر المنجز لا نتأمل المرأة وإنما نشاهد جمال الحياة التي تحدثه المرأة في واقعنا المعاصر، وكأنه يؤكد الفنان (أن المرأة ليست شكلًا خارجيًا نحتفي به وإنما هو جوهر يجب أن نكتشفه) أنه تصور حالم قد لا يتفق مع واقعنا المادي. وقدمت (ريم الديني) خمسة أعمال تنتمي إلى توجهها الجديد الذي قدمته في طرحها الأخير وهو توجه ينزاح إلى أسلوب (التعبيرية الانطباعية) والمعتمد على المبالغة والحذف والاحتفاء أحيانا باللون لخلق أسلوب درامي يرتبط ارتباطا كليا بذاتها التواقة إلى التجريب والبحث في مكنون الذات. ومن يشاهد المنجز الخاص ب(الديني) يجزم بأنها تبتعد كثيرًا عن الأجواء التراجيدية التي كانت تخيم على أعمالها السابقة، فهي الآن تسعى إلى أجواء أكثر ابتهاجًا واحتفاء باللون. يقول الفنان احمد نوار في هذا الصدد (الانطباعية) هو فن على علاقة بذات الفنان ونوعية إحساسه اتجاه هذا الكون والحياة؛ لذلك لا نستغرب كثيرا حين نشعر بوجود تغير في طرح الفنان المنتمي لهذا التصور حيث قناعاته تحتم عليه أهمية مواكبة الذات والتعبير عما يختلج النفس من تصور جديد. (احسان برهان) يؤكد على رجعته للساحة بعد زمن من الغياب استمر كثيرًا والذي بالطبع جعله بعيدًا كل البعد عن مجريات الأحداث في الساحة التشكيلية وما يدور فيها من حوارات وتجارب قد تفتح له آفاقًا تشكيلية جديدة، وبخاصة إذا عرفنا أن (برهان) يمتلك طاقة إبداعية هائلة غير مصرح بها، وكان ينقصه فقط التواجد، وقد شارك في هذا المعرض بمجموعة أعمال تنتمي إلى (الواقعية التعبيرية) ليسرد من خلالها البيئة المحيطة والواقع المعاش، وقد شاركه التصور أيضا الفنان فهد النعيمة والقادم بقوة إلى الساحة التشكيلية حيث يتسم منجزه الواقعي التسجيلي بالحركة في الخط فيحول الساكن من العناصر التي نلمحها إلى حياة ونشوة وديناميكية وهذا كان جليًا في لوحته (الطواف). ومفاجأة هذا المعرض الفنانة الواعدة (هبة عابد)؛ تلك الفنانة التي فاجأتنا بموهبتها العالية في صياغة الفعل الفني الخاص بها، والحلول التشكيلية المقدمة من خلالها سواء علي مستوى الخط أو المساحة أو الكتلة لمعالجة الموضوع المطروح للنقاش (المرأة وصراعها المستمر مع الحياة) إنها أجواء تشكيلية تنطلق بحريه ولا تحاكي الواقع. وأخيرا وليس آخرًا قدمت الفنانة (نورا) مجموعة أعمال تجريدية تدخل في دائرة التجريب للوصول إلى أفاق جديدة تعانق طموحها التشكيلية بألوان مبعثرة وخطوط لا تؤكد معالم شيء بعينه، فدراستها لعلم النفس أعطاها مجالًا في البحث والتنقيب عن مكنون الأشياء في الإنسان، علَّ وعسى أن تتضح بعض الملامح للنفس البشرية. ورغم مشاركات الفنانة المتعددة في الآونة الأخيرة إلا أنه وإلى هذه اللحظة أعمالها تفتقد للخصوصية، وهو أمر لا غبار عليه حين نعلم بتعدد الطرح وعدم الاستقرار على توجه معين.