النصر يؤمن مشاركته في السوبر السعودي    6 شروط للقبول في البرنامج التدريبي لتأهيل قائدات قطار الحرمين    عباس يدعو لدولة فلسطينية تجمع غزة والضفة والقدس    وزير الاقتصاد والتخطيط: المملكة أوجدت العديد من الفرص التنموية    نائب وزير الخارجية يستقبل رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي    تدشين فعاليات أسبوع البيئة بالقصيم    السعودية ترسم خارطة جديدة للسياحة الصحية العالمية    محافظ خميس مشيط يدشن مبادرة "حياة" في ثانوية الصديق بالمحافظة    رئيس مجلس الوزراء العراقي يصل الرياض    إلزام موظفي الحكومة بالزي الوطني    "واحة الإعلام".. ابتكار لتغطية المناسبات الكبرى    أمطار تؤدي لجريان السيول بعدد من المناطق    "عصابات طائرة " تهاجم البريطانيين    كائن فضائي بمنزل أسرة أمريكية    وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    أمير الرياض يؤدي الصلاة على منصور بن بدر بن سعود    أرباح شركات التأمين تقفز %1211 في 2023    القيادة تهنئ رؤساء تنزانيا وجنوب أفريقيا وسيراليون وتوغو    لرفع الوعي المجتمعي.. تدشين «أسبوع البيئة» اليوم    أمين عام «أوبك»: نهاية النفط لا تلوح في الأفق    إحالة الشكاوى الكيدية لأصحاب المركبات المتضررة للقضاء    طابة .. قرية تاريخية على فوهة بركان    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية.. استمرار الجسر الإغاثي السعودي إلى غزة    وزير الدفاع يرعى تخريج الدفعة (82) حربية    «هندوراس»: إعفاء المواطنين السعوديين من تأشيرة الدخول    وزير الإعلام ووزير العمل الأرمني يبحثان أوجه التعاون في المجالات الإعلامية    فريق طبي سعودي يتفوق عالمياً في مسار السرطان    برعاية الملك.. وزير التعليم يفتتح مؤتمر «دور الجامعات في تعزيز الانتماء والتعايش»    العرض الإخباري التلفزيوني    وادي الفن    هيئة كبار العلماء تؤكد على الالتزام باستخراج تصريح الحج    كبار العلماء: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    مؤتمر دولي للطب المخبري في جدة    أخصائيان يكشفان ل«عكاظ».. عادات تؤدي لاضطراب النوم    4 مخاطر لاستعمال الأكياس البلاستيكية    وصمة عار حضارية    التشهير بالمتحرشين والمتحرشات    تجربة سعودية نوعية    السجن لمسعف في قضية موت رجل أسود في الولايات المتحدة    الأخضر 18 يخسر مواجهة تركيا بركلات الترجيح    الهلال.. ماذا بعد آسيا؟    حكم و«فار» بين الشك والريبة !    الاتحاد يعاود تدريباته استعداداً لمواجهة الهلال في نصف النهائي بكأس الملك    ألمانيا: «استراتيجية صامتة» للبحث عن طفل توحدي مفقود    انطلاق بطولة الروبوت العربية    استقلال دولة فلسطين.. وعضويتها بالأمم المتحدة !    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب جزيرة جاوة الإندونيسية    (911) يتلقى 30 مليون مكالمة عام 2023    64% شراء السلع والمنتجات عبر الإنترنت    أمير الرياض يوجه بسرعة رفع نتائج الإجراءات حيال حالات التسمم الغذائي    الأرصاد تنذر مخالفي النظام ولوائحه    واشنطن: إرجاء قرار حظر سجائر المنثول    المسلسل    إطلاق برنامج للإرشاد السياحي البيئي بمحميتين ملكيتين    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصبحت مستهدفات الرؤية واقعًا ملموسًا يراه الجميع في شتى المجالات    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    خادم الحرمين يوافق على ترميم قصر الملك فيصل وتحويله ل"متحف الفيصل"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤلفون والنشر: شروط داخلية مقيّدة.. وهجرة إلى خارج مغرٍ وجشع
نشر في المدينة يوم 01 - 06 - 2011

يحملك الحديث عن العلاقة بين المؤلف السعودي، ودور النشر الخارجية أو الأجنبية إلى فضاءات كثيرة، وينتقل بك عبر متاهات عديدة، إنه حديث ذو أبعاد وزوايا مختلفة تنفرج أحيانًا، وتحتد أحيانًا أخرى، وتتعامد مرة، وتتقاطع مرة، ولكنها قليلًا ما تتفق، والضحية -بحسب الشواهد- المؤلف السعودي، والجاني دور النشر الخارجية.. فالواقع يشير إلى فرار السعودي من تعقيدات النشر الداخلي، وغلاء العروض المقدمة له، وضعف الاهتمام المتمثل في قلّة دور النشر الداخلية، وبساطة بعضها التي قد تصل أحيانًا إلى حدّ الرداءة، فيتأبط المؤلف المولود، ويطير به هيمانًا إلى إحدى دور النشر الأجنبية في الخارج، وكله أمل أن يجد مقابل سهر الليالي، وطول الأيام ما يجزيه أو يعوضه قليلًا من ذلك، إلاّ أن الكيل لدى تلك الدور الخارجية كيل بمكيالين، وبدلًا من صدمة النشر الداخلي التي تلقاها المؤلف فإنه يتلقى في الخارج صدمتين الأولى تتركز في التعامل المادي البحت أيًّا كان هذا المنتج التأليفي، والأخرى في ضياع الحقوق.. كل هذه الهموم الملقاة على عاتق المؤلف السعودي جعلتنا نفتح الحديث عن العلاقة بينه وبين دور النشر الخارجية، ونسمع من أصحاب التجربة أكثر من المنظرين، وندوّن تجارب وصراعات مريرة لمؤلفين سعوديين كالت لهم تلك الدور الكيل بمكيالين..
هجرة البشع العشوائي
في البداية تشير الروائية السعودية حسنة القرني بأنها لا تملك تجربة طويلة مع دور النشر السعودية؛ إذ لم يصدر لها حتى الآن سوى روايتين، وذلك ما بين عامي 2005م - 2010م، وكانت كافية لأن تعلن بعدها فعليًّا عن توقفها عن الطباعة لدى دور النشر المحلية السعودية. حيث تقول: لأول مرة أجد نفسي مع كل من نادى قبلي بضرورة تهجير الكتاب السعودي للخارج سواء لدار نشر سعودية خارجية أو دار نشر عربية؛ لذا قمت بتهجير روايتي «بشع عشوائي» في طبعتها الثانية إلى بيروت. وتستدرك حسنة بقولها: حقيقة لا أسحب تجربتي على جميع الدور الموجودة حاليًا، لأني لم أتعامل معها جميعًا، وإن كان دارت فيما بيننا حوارات عدة حول الطباعة والنشر، كما أني لا أضع مطلق اللوم على دور النشر المحلية السعودية ذلك أني أدرك حجم الصعوبات التي تواجهها فيما يتعلق بتخلي وزارة الثقافة والإعلام عن دورها الجوهري المنوط بها سواء فيما يتعلق بالتوزيع أو بالإشراف على دور النشر.
وتعود القرني للأسباب التي جعلتها تفر من دور النشر المحلية السعودية قائلة: الأسباب كثيرة منها انعدام الناشر المحترف في صناعة الكتاب طباعة ونشرًا، وارتفاع سعر تكلفة طباعة الكتاب مع عدم وجود سعر ثابت لتكلفة كتاب واحد ذي مواصفات واحدة وعدد صفحات محددة، إضافة إلى أن سعر تكلفة الكتاب يبقى غاليًا وإن كانت الدار الناشرة تمتلك مطبعة خاصة، وتحايل دار النشر المحلية على المؤلف إذا رفض الاستمرار مع الدار بعد انتهاء العقد المبرم بينهما لأي سبب كان وذلك بأن تقوم الدار بإبلاغ الكاتب بنفاد النسخ وترسل النسخ المتبقية إلى دار أخرى مع أن هذا التصرف فيه مخالفة صريحة لبنود العقد، التي من أهمها بند التوزيع تحت الطلب، وهذا ما حدث معي مع إحدى دور النشر السعودية على الرغم من أن هذا العقد كان ناتجًا عن صلح رضيت به عندما ضمن حقوقي لأقوم بسحب الشكوى التي رفعتها ضد دار النشر لدى حقوق المؤلف في وزارة الثقافة والإعلام السعودية في العام الماضي، وذلك إثر طباعة كتابي دون أن أوقع أي عقد ودون أن أوافق على مستوى الطباعة، وهذا الأمر تكرر من أكثر من دار ولأكثر من مؤلف جديد وكأن المؤلف بلا حقوق.
وتقيم القرني تجربتها في الطباعة خارجيًّا بقولها: كانت تلك تجربتي الأولى عبر دار الرمك السعودية ب(بيروت)، وأعتبرها تجربة جيدة من حيث جودة وفخامة الطباعة مع سرعة التنفيذ، وسعر تكلفة الطباعة كان مناسبًا جدًّا على الرغم من إضافة ثمن تكاليف الشحن إلى سعر تكلفة الكتاب ومع ذلك بقي سعر تكلفة الطباعة أقل من تلك الأرقام الفلكية التي سمعتها لدى دور النشر المحلية السعودية علمًا بأن صاحب هذه الدار المميزة هو الأستاذ والشاعر إبراهيم الجريفاني، وأسعدني جدًّا دخوله في مجال النشر الخارجي من بيروت ليكون عونًا لنا كمبدعين شباب من داخل السعودية.
أبقار حلوبة
ويرسم الروائي طاهر الزهراني صورة قاتمة لواقع الحال في النشر المحلي والعربي بقوله: إذا كانت لديك 1000 دولار، ولا ترغب فيها وأردت أن تواكب الموضة الثقافية الجديدة، فما عليك إلا إصدار كتاب، حتى إن أردت أن تصدر كتابك عبارة عن بياض فقط دون حرف واحد، فلا مانع لدى الدور أن تنشر لك طالما أن لديك 1000 دولار. وقد أصبح نادرًا أن تجد دارًا تراهن على القيمة الأدبية والإبداعية والعلمية، وأصبح الكُتّاب مثل الأبقار تدر الكلمات، والنقود للدور النشر، وهم محرومون من كل الخيرات، حتى إنهم يدفعون قيمة العلف!.
ويرى الزهراني أن تعامل الدور سواء المحلية والعربية مع المؤلف في “قمة المسخرة” ساردًا ما حدث معه بقوله: تعاملت مع دار مكتبة محلية معروفة وفروعها في كل مكان وقد أرسلت لهم عملًا لنشره بعد ثلاثة أشهر من الاتصالات كان ردهم عليّ بالحرف: «عملك جيد وله قيمة أدبية، لكن من الناحية التسويقية لن ينجح الكتاب، ولهذا السبب نعتذر عن نشره، لأننا مؤسسة تجارية، نهتم بالربح المادي أولًا وأخيرا»! وبالفعل هذه المكتبة أو الدار تنشر كتابات سيئة لكنها مربحة! ولا يوجد عندنا رهان على جودة الكتب، دورًا ومؤلفين، حتى المؤلف المنبغي عليه أن يراهن على جودة ما كتب أو يلقي به في سلة الهملات!
ويؤكد الزهراني أنه لا بد أن يكون هناك موقف للمؤلفين، وألا ندفع لكي ننشر، بل راهن على كتابك، وثق تمامًا أن الدار التي يعجبها عملك ستنشر من غير مقابل مادي، وبعض الدور تدفع للمؤلفين لكي ينشروا عندها، مع حفظ حقوقهم، لا بد أن نكوّن قوة ضغط، لا ينبغي أن ندفع مالًا أبدًا للنشر، إن أغلب الدور العربية تهمّش المؤلف وتتعامل معه كفريسة، تهضم حقوقه، تكذب عليه وخاصة في الحقوق، وأعرف مؤلفين اكتشفوا بطرق غير مباشرة أن الدور تتلاعب بحقوقهم التي لا تتجاوز ال 10%! وحتى نخرج من هذا التلاعب والامتهان، لا بد أن نملي نحن شروطنا على الدور لا العكس. وأما بالنسبة للدور المحلية إذا أرادت أن تعيد الثقة فعليها الاهتمام بصناعة الكتاب وبقيمته، وأن تهتم بالنشر والتوزيع في نطاق واسع، وأن تحفظ حقوق المؤلفين.
ثقة في الناشر المحلي
الروائية السعودية سهام مرضي روت تجربتها مع ناشر أجنبي في روايتها الجديدة «حين رحلت» بقولها: قدم لي الكثير من التسهيلات في النشر، بالإضافة إلى سرعة الطباعة والإعلان والمشاركة في دور عرض في بلدان متعددة، ولا شك أن الناشر الأجنبي له جوانب ايجابية أكثر؛ خصوصًا في سقف الحرية بالنص وإجازته، وفي المقابل تعاملت مع النادي الأدبي في حائل في طباعة روايتي الأولى «مع سبق الإصرار والترصد» وكانوا في غاية التعاون والدعم وتسهيل جميع العقبات، صحيح أن الطباعة أيضًا تتم في الخارج لكن تعاملهم كناشرين وكداعمين للكُتّاب وللمشهد الثقافي والمبتدئين في عالم النشر فكانوا على مستوى الطموح وأكثر.
وتمضي مرضي في حديثها مضيفة: إن الأسباب التي تدفع المؤلف السعودي للتعامل مع ناشر أجنبي تكمن كلها في مسألة الحرفية والسرعة في الانجاز والالتزام بالتوزيع والتسويق إضافة إلى الجوانب المادية وهذه كلها أمور قد لا تتوفر جميعها بنفس الكفاءة في ناشر محلي، لكن جُلّ ما أتمناه هو أن تتغير الأمور إلى الأحسن خصوصًا بعد الدعم الذي قُدم من الملك للأندية الأدبية لأن نجاح وتبلور دور المثقف والمؤلف عمومًا مرهون بنجاح وتسهيل ووعي أقنية النشر والإعلام المحلية بكل تأكيد.
وفيما يتعلق بقضية الحفاظ على حقوق المؤلف في التعامل مع دور النشر الخارجية فتضيف سهام: المؤلف لم يلجأ لناشر أجنبي إلاّ لفقدانه لحقوقه أو تجاهله أو رفضه من الناشر المحليّ؛ لكن في نهاية الأمر من المؤكد أن تحرص دار النشر الأجنبية على حقوق المؤلفين لأنها تتعامل مع الموضوع بشكل تجاري ومكسب أكثر منه كقيمة ودعم للمؤلف وللقراء في ذات الوقت ولذلك ستجد أن كثيرًا من الروايات والكتب الهابطة أو الضعيفة المستوى من الناحية الفنية والأدبية قد نُشرت ونجحت أيضًا بمساندة ودعم الناشر الأجنبي الذي يهمه تسلم حقوقه أكثر من أي أمر آخر، بينما قد تشترط الدور المحلية شروطًا أكثر حيادًا مع المادة الهابطة أو الضعيفة وفي رأيي هذا من حسنات الناشر المحلي وإن كانت المسألة في النهاية تخضع للأذواق ووجهات النظر وحاجة المتلقي. وأي مؤلف في تجربته الأولى يقيم دار النشر سواء أجنبية أو محلية وفي حالة نجاحه معها ثق تمامًا أنه سيكرر تجربته لأن أحدًا لا يكره النجاح.
وتختم مرضي بقولها: أثق في الناشر المحلي من واقع تجربتي مع النادي الأدبي في حائل عبر سلسلة بواكير، حيث تعامل معي النادي بمنتهى المرونة والدعم، ولذلك لم أصل حتى الآن لتصور كامل عن جوانب ضعف ثقة المؤلف في الناشر المحلي وإشكالاته وعيوبه لعدم تعرضي لها إطلاقًا.
مهنة سائبة
ويحصر الدكتور جبريل بن حسن العريشي عضو مجلس الشورى وأستاذ المعلومات بجامعة الملك سعود المشكلات الأساسية التي تواجهها حركة النشر في: مشكلة عدم تحديد المواصفات المهنية للناشر، فمهنة النشر، بعكس جميع المهن المعروفة والمنتشرة في المجتمع، لا تخضع لضوابط، وهي مهنة سائبة إلى حد كبير. فالناشر لا يحتاج إلى شهادات، ولا امتحانات، وحتى أن التقيد بالضوابط الملكية والأخلاقية قد يكون معدومًا عند عدد لا بأس به من مزاولي مهنة النشر.
كما أن دور النشر وبسبب دخول عدد كبير من الطارئين عليها، تفتقر إلى وظيفة موجودة لدى دور النشر في الغرب، وهي وظيفة القارئ المستشار، وتلك الوظيفة يملؤها في الغالب إنسان مثقف في ميدان اختصاصه تحيل إليه دور النشر ما يعرض عليها من كتب وغيره، ويبدي رأيه في مدى صلاحيتها للنشر.
وفي تصوري أن لجوء المؤلف السعودي إلى طرق أبواب دور النشر الخارجية بدلًا من الدور الداخلية قد يكون أقل تكلفة بالإضافة إلى الحذر الشديد الذي قد لا يكون له مبرر لدور الطباعة والنشر في المملكة من أن تكون مادته محظورة لسبب أو لآخر. وأشير هنا إلى أن الحفاظ على حقوق المؤلف في التعامل مع دور النشر الخارجية يختلف من بلد لآخر، والأمر يحتاج إلى دراسة موسعة ولكن الكاتب الذي يريد نشر مؤلفاته يختار من بين دور النشر هذه الدار التي تحفظ حقوقه.
كما أن هنالك محاولة جادة من دور النشر الداخلية التفاعل وبقوه مع المؤلفين في محاولة لإعادة الثقة فيما بينها وبين المؤلفين، كما حاولت حكومة المملكة دعم المؤلفين وذلك بإصدارها في التاسع من ربيع الأول لعام 1424ه، مشروع نظام حماية حقوق المؤلف، وتتمثل أبرز ملامحه بأنه حماية المصنفات الأصلية والمبتكرة في حقوق الآداب والفنون والعلوم، أيًّا كان نوعها، وطريقة التعبير عنها، أو أهميتها، ومنها على سبيل المثال، الكتب، والمحاضرات، وأعمال الفن التشكيلي، والعمارة، وبرمجيات الحاسب الآلي، كما يحمي المشروع المصنفات المشتقة، ومنها على سبيل المثال مصنفات الترجمة والتلخيص، والموسوعات. وقد أبدت حكومة المملكة عناية بصناعة النشر، فصدر تعميم ملكي كريم يسمح بشراء الجهات الحكومية 100 نسخة من كل كتاب سعودي يصدر داخل المملكة ويكون ذا نفع عام، ثم حددت عملية الشراء في أن يكون الكتاب في حدود اختصاص الجهة، وهذا يساعد ويدعم المؤلف السعودي في زيادة إنتاجه الفكري وإبداعاته المختلفة.
قيد سلطوي وبيروقراطية
وفي ميزان المفاضلة بين النشر في الدور المحلية ومثيلتها الخارجية أو الأجنبية يقول الدكتور صالح زيّاد أستاذ النقد الحديث بجامعة الملك سعود: هذه المفاضلة تعود بالأساس إلى مقاييس الحرية من جهة والحرفيّة أو إجادة صناعة النشر من جهة ثانية بما في ذلك سعة الانتشار والتوزيع ورقي المراجعة والإخراج والطباعة. ولذلك فإن المؤلف حين يقارن دور النشر الداخلية بما في الخارج يجد مسافة هائلة ترجح بالكفة لصالح الخارج مع الأسف.
ويضيف زياد إننا في الداخل في حاجة إلى فسح للكتاب، وهذه عقبة من جهتين: جهة الشعور بقيد سلطوي على التأليف وتخوين وإساءة نية مسبقة، وجهة بيروقراطية تحتم المتابعة والانتظار. ويضاف إلى ذلك ضعف التوزيع وضيق مساحة الانتشار، وفي حالة النشر في الأندية الأدبية التي لا تتشارك مع دور نشر خارجية، ففي الغالب مصير الكتب هو أقبية المستودعات والمخازن. ولا تنس فخامة الطباعة في الخارج وجودتها تقنيًا وماديًا.
ويعتقد زياد مرة أخرى أن أسماء دور النشر ليس محايدًا فدور النشر الكبيرة والعريقة وذات الشهرة هي مدار جاذبية للكتاب والمؤلفين، لأنها ذات وهج، ولذلك يعتقد المؤلفون أن للنشر فيها قيمة معنى وقيمة ذيوع. وطبعًا هذا صحيح إلى حد واضح، على الرغم من أن بعض الذمم للأسف وفي أمثلة عديدة تنحط أمام إغراء المؤلفين لها بالمال من أجل أن تضع دار النشر اسمها على كتاب تافه، لكن بعض دور النشر المتميزة لا ترضى أبدًا بنشر كتب متهافتة.
ويرى زياد أنه لا بد للنشر المحلي أن يعالج -إذا ما أراد أن يستعيد ثقة المؤلف فيه- أسباب فرار المؤلفين إلى الخارج. وهو علاج يعود إلى مسافة التعاطي مع الكتاب والحرية في الدائرة الاجتماعية المحلية كلها التي تغدو دور النشر بعض أجزائها، وهنا يتبين أن المسألة في حاجة إلى قرارات من الجهات المختصة وذات العلاقة بالكتاب، وفي حاجة إلى تطور وانفتاح اجتماعي، ولن تحل المسألة بين عشية وضحاها... لا بد من بعض الوقت.
الناشر والمنشار
الكاتب سعد سعيد الرفاعي شارك بقوله: تقييم التجربة السعودية في مجال التأليف والنشر داخليًا وخارجيًا بحاجة إلى دراسة أو استقصاء موضوعي يحدد أبعاد هذه العلاقة، وذلك حتى يتم تقييم هذه العلاقة بشكل دقيق، إلا إنني من واقع تجربتي عندما عرض عليَّ طباعة كتابي (النموذج الإسلامي لتمويل التعليم) من قبل صاحب مؤسسة المختار بالقاهرة فكانت فرصة لخوض غمار التجربة التي أراها جيدة بيد أن هذه التجربة اعتورها بعض القصور من جهة دقة مراجعة الكتاب بعد الصف لكون المؤسسة خارج الوطن ولعدم تيسر التواصل الإلكتروني في حينها.
وفي ظن الرفاعي أن المحرك للمؤلف السعودي تجاه النشر الخارجي هو الرغبة في الانتشار والمقروئية للمنتج الثقافي عبر العالم العربي بأكمله، وذلك لما تتميز به بعض دور النشر العربية من حسن التوزيع وبراعة التسويق والمشاركة المستمرة في معارض الكتاب العربية، إضافة إلى سبب آخر مهم يتمثل في وجود بعض القيود أو المحاذير -على تنوعها- على مادة الكتاب أو المنتج الثقافي في الداخل.. مع قناعة المؤلف بعدم صوابية هذه القيود -من وجهة نظره- مما يدفعه إلى طرح منتجه بعيدًا للانعتاق من هذه القيود؛ اقتناعًا منه بأهمية المواكبة لزمنية الفكرة وعدم الحاجة للتأني حتى يساير التنامي الفكري الجمعي الذي قد يتأخر كثيرًا!
وفيما يتعلق بضمان الحقوق يضيف الرفاعي: لا بد من سؤال قبل هذا وهو هل تم ضمان حقوق المؤلف في الداخل حتى نبحث عن ضمانها في دور النشر العربية؟! ورحم الله الرجل الضخم غازي القصيبي عندما أدرك العلاقة بين الناشر والمنشار في حينه!!..
ويتطلع الرفاعي في حديثه عن هذه العلاقة إلى من يقدم لي رأيًا أو إضاءة تضمن عدم طرح نسخة واحدة من أي كتاب إلا بعلم مؤلفها!! إن قضية حقوق المؤلف من القضايا الشائكة في الوطن العربي بأكمله وفي ظني إنها ذات صلة بالمفاهيم الحقوقية والقيمية بأكملها!! بيد أن حضور بعض دور النشر العربية لم يمنع بعض دور النشر السعودية من الدخول القوي المنافس إلى السوق تدعمها الإمكانات الهائلة التي تملكها والإدارة المتمرسة المؤهلة، ولعل هذا ما دفع بكثير من المؤلفين السعوديين إلى تفضيلها على غيرها في ظل ما يتوفر له من سهولة تعامل ومراجعة لمنتجه وكذلك جودة الطباعة والإخراج، وببعض المراجعة للقيود التي تثقل حركة النشر فأنا واثق من كسب الناشر السعودي للجولة وبتفوق!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.