ارتفاع أسعار النفط    ترامب يغادر ماليزيا متوجها إلى اليابان    ختام بطولة المملكة المفتوحة للكاراتيه في الباحة    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. انطلاق مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار    القمة العالمية للبروبتك.. السعودية مركز الاستثمار والابتكار العقاري    المعجب: القيادة حريصة على تطوير البيئة التشريعية    فريق مصري يبدأ عمليات البحث في غزة.. 48 ساعة مهلة لحماس لإعادة جثث الرهائن    إنستغرام يطلق «سجل المشاهدة» لمقاطع ريلز    إسرائيل تحدد القوات غير المرغوب بها في غزة    إثراء تجارب رواد الأعمال    تمهيداً لانطلاق المنافسات.. اليوم.. سحب قرعة بطولة العالم للإطفاء والإنقاذ في الرياض    القيادة تهنئ رئيس النمسا ورئيسة إيرلندا    يامال يخطط لشراء قصر بيكيه وشاكيرا    الدروس الخصوصية.. مهنة بلا نظام    «التعليم»: لا تقليص للإدارات التعليمية    هيئة «الشورى» تحيل تقارير أداء جهات حكومية للمجلس    قيمة الدعابة في الإدارة    2000 زائر يومياً لمنتدى الأفلام السعودي    الصحن الذي تكثر عليه الملاعق    أثنى على جهود آل الشيخ.. المفتي: الملك وولي العهد يدعمان جهاز الإفتاء    تركي يدفع 240 دولاراً لإعالة قطتي طليقته    علماء يطورون علاجاً للصلع في 20 يوماً    المملكة تنجح في خفض اعتماد اقتصادها على إيرادات النفط إلى 68 %    تداول 168 مليون سهم    كلية الدكتور سليمان الحبيب للمعرفة توقع اتفاقيات تعاون مع جامعتىّ Rutgers و Michigan الأمريكيتين في مجال التمريض    قرار وشيك لصياغة تشريعات وسياسات تدعم التوظيف    480 ألف مستفيد من التطوع الصحي في الشرقية    تطوير منظومة الاستثمارات في «كورنيش الخبر»    14.2% نموا في الصيد البحري    ريال مدريد يتغلب على برشلونة    غوتيريش يرحب بالإعلان المشترك بين كمبوديا وتايلند    رصد سديم "الجبار" في سماء رفحاء بمنظر فلكي بديع    المملكة.. عطاء ممتد ورسالة سلام عالمية    سلوت: لم أتوقع تدني مستوى ونتائج ليفربول    بيع شاهين فرخ ب(136) ألف ريال في الليلة ال14 لمزاد نادي الصقور السعودي 2025    صورة نادرة لقمر Starlink    8 حصص للفنون المسرحية    «مسك للفنون» الشريك الإبداعي في منتدى الأفلام    الدعم السريع تعلن سيطرتها على الفاشر    منتخب إيران يصل السعودية للمشاركة ببطولة العالم للإطفاء والإنقاذ 2025    المعجب يشكر القيادة لتشكيل مجلس النيابة العامة    أمير الرياض يستقبل مدير عام التعليم بالمنطقة    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنفيذ البرنامج التثقيفي لمنسوبي المساجد في المنطقة ومحافظاتها    مفتي عام المملكة ينوّه بدعم القيادة لجهاز الإفتاء ويُثني على جهود الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ رحمه الله    نائب أمير الشرقية يؤكد دور الكفاءات الوطنية في تطوير قطاع الصحة    العروبة والدرعية في أبرز مواجهات سادس جولات دوري يلو    إعلان الفائزين بجائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية 2025    أبرز 3 مسببات للحوادث المرورية في القصيم    الضمان الصحي يصنف مستشفى د. سليمان فقيه بجدة رائدا بنتيجة 110٪    116 دقيقة متوسط زمن العمرة في ربيع الآخر    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت تركي بن محمد بن سعود الكبير آل سعود    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هيفاء بنت تركي    %90 من وكالات النكاح بلا ورق ولا حضور    ولي العهد يُعزي هاتفياً رئيس الوزراء الكويتي    النوم مرآة للصحة النفسية    اكتشاف يغير فهمنا للأحلام    "تخصصي جازان" ينجح في استئصال ورم سرطاني من عنق رحم ثلاثينية    نائب أمير نجران يُدشِّن الأسبوع العالمي لمكافحة العدوى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا جَدِيدَ في جَدِيدِه!!
نشر في المدينة يوم 01 - 12 - 2010

يُخالُ إليَّ وأنا أقرأ مجموعة الشَّاعر الأحسائي “محمد طاهر الجلواح” الشِّعريَّة المُعنونة ب(نزف) والصَّادرة عن دار الكفاح للنشر والتوزيع عام 2009م كأنني أعيد قراءة مجموعته الشِّعريَّة الأولى (بوح) والصادرة عن نادي المنطقة الشرقية الأدبي عام 2003م وبكافَّة مقاييسها فالشاعر “الجلواح” لم يأتِ بجديد في جديده فقد جرفه التَّكرار القاتل إلى مستنقع الملل والرَّتابة الكتابيَّة الممقوتة في الأدب العربي فعلى الرغم من أنَّ التكرار من الخاصيات الملازمة للشعر بل هو مكون أساسي فيه غير أنَّ الشَّاعر أحيانًا يفلت منه زمام التَّحكم بالإبداع ربما لنضوب القدرة حينا وإقحام الشَّاعريَّة المَدَّعاة في بعض الأحايين الأخرى فمُطالعةٌ واحدة سريعة على نزف الجلواح 2009م يعيد القارئ مباشرة إلى بوح 2003م وتتماثل إليه نفس اللُّغة والأسلوب الشِّعري والمواضيع بأغراضها الشعرية بل عدم التغيير طال حتى غلاف الكتاب وتقارب ألوانه وطريقة تصميمه.. ومع مرور سبعة أعوام بينهما من الكتابة والتَّأليف وكأنه مصر على إعادة نفسه وسبك تجربته في قالبٍ واحد يأبى التَّجديد فتراهُ في بوح يتغزَّل في شيماء وأماني ووحيدة وليلى وإيمان ومنى وسعاد ونادية وحنان وعفاف ورجاء وميادة وإرواء ورباب وفاطمة وشويكار وفي نزف تتجسد بنية النص بنفس اللغة الشعرية والتداعيات الشُّعُوريَّة فيكتب عن نسرين ومنال ووداد ولارا وصباح ولبنى والمدهش في الأمر استرساله في سرد الأسماء النِّسائيَّة بكثرة وتسجيل مواقفه معهن من على ضفاف النيل وعلى متن الطائرة وفي مكتبة ومقهى وعند الشاطئ ويرد على كاتبة مقال وحينما يغيب عنه صوت إحداهن تتداعى إليه جبال الخوف والحزن وينهمر ببكائية الوجل مصرِّحًا باسمها ومكان لقياه..
ويتتالى التكرار الموضوعي في الديوانين بصور غير مستساغة فنيًا كما في قصائده في التقاعد والزواج الجماعي والحرزيات!! المتمعن في نزف الجلواح الجديد يجد قصائد المناسبات طافحة فيه ويضج بها الديوان ولو صنفنا ماهيته لكان من تلك الفصيلة وكأني بالشاعر الجلواح استوعب ذلك فبدا مدافعًا عن نفسه أمام جمهوره قبل أن يصلهم سِفْرُه فيكتب بطاقة عبور في صفحات كتابه الأولى ويدافع عن شاعريته وبضاعته المزجاة مفندًا تمسكه بأشعار المناسبات على أن كل قصيدة في نهايتها قصيدة مناسبة بشكل أو بآخر حتى الوجدانية منها مؤكدًا في بطاقته العبورية على أن قصائد المناسبات والإخوانيات تشكل القسط الأكبر من شعرنا العربي والعالمي كله قديمًا وحديثًا.. فتجده يكتب تارة عن رئيس البلدية وأخرى عن وزير المعارف وفي افتتاح مصرف مالي في البنك وعن إصدار المطبوعات الأدبية كمجلة العربي والقافلة والحرس الوطني وأهلًا وسهلًا ومرور أعوام على إصدارها وفي زيارة مسؤول المنطقة وفي الأخوانيات المعادة منها في ديوانه الأول متناسيًا أن للشعر نكهته الخاصة في تحريكه للمشاعر وإثارة كوامن النفس ومناجاة للروح وخلق الأجواء المثيرة للطمأنينة والسَّكن الانفعالي:
إذا الشّْعْرُ لم يهززك عند سماعه
فليس حريًا أن يُقالَ لهُ شِعْرُ
فالواحد منَّا حينما يرخي الليل عليه سدوله وتخمد الأنفس ويختلي بخوالجه وهو من عشاق القراءة والبحث فأول ما يبحث عنه الاستمتاع بقراءة قصيدة تبعث في روحه الأنس بالليل والشِّعر ومناغاة القلب للقلب لا أن يقرأ في البنك والزواج الجماعي والتقاعد وفي رئيس بلدية أو مسؤول تحرير!!
جاءت قصائد «نزف» مؤرخة بتواريخ كتابتها ومقر نسجها وما لفت انتباهي في ذلك أن بعضها كتبت منذ عام 1400ه يعني ما يقارب من الثلاثين عامًا ونيفًا وبدت اللغة الشعرية فيها تميل للخطابية التقريرية والمباشرتية كقصيدته في الأحساء قائلًا:
يا بلادي لك أهدي مهجتي
يا ليالي العمر يا معشوقتي
شاطئي أنت ومنفى غربتي
يا كتاب الحب.. يا قافيتي
فما احتياج الشاعر أن يلحق قصائد بسيطة متواضعة في اللغة مرت عليها أعوام ليست بالقليلة ليلحقها بديوان جديد سبقه ديوان آخر لتنضم إلى تجربته الفنية العريقة والتي يمكن أن تكون قد تمخضت بشكل أكبر وأكثر نضجًا وقوة وكأنه أفلس من قصائد جديدة ليقع في فخ العجز الإنتاجي الإبداعي المتمكِّن..
وإنني لأرى أن الشاعر لم يوفق في اختيار عنوان المجموعة حيث إن دلالاته تتنافى ومضامين القصائد فمن يقرأ العنوان “نزف” يتبادر إلى خلده أنه مشبع بالتدفق الوجداني الانفعالي عاطفي ملتهب بلواعج الوجد وذكريات الوصل وأوجاع النأي وغصة البُعاد إذ به بعبارات التبجيل والتزلف ومناسبة افتتاح فرع بنك وإصدار مجلة وحفل تقاعد وعتاب زميل!!
المغالطات اللغوية تتضح في بعض تراكيب أبياته ويستعمل أحيانًا مفردات في غير موضعها ولو استعمل ما يتناسب وجو العبارة لكان أجمل كما في «ص 8 « في قصيدة القارة قائلًا:
قلتُ: نسرين سامحيني فإني
سأغني بريشة الشعراء
فمن المتعارف عليه أن الريشة مرتبطة بالفنان التشكيلي فلو قال “بنشوة الشعراء” لكان أبلغ وأجمل وأنسب..
وفي بيت آخر يقول:
آهِ.. يا حلوة العيون إليك
كل شعري ومنطقي وثنائي
كم عين للحبية؟!
ويبدو التلاعب اللغوي لتركيب الجمل الشعرية واضحًا لديه من أجل استقامة الوزن ومجاراة القافية لديه كما في قصيدة الأحساء تمر الحياة: (ص 12) قائلًا:
أيها الحضن الذي يعطي الأمان
ويدٌ تحنو إذا جار الزمان
وأوان القطف من قبل الأوان؟؟!!
فما الداعي إيراده هذا التعبير الراك فهل قطف الشيء قبل أوانه يعد جميلًا؟ أم أنه حشو لفظي وتعبئة فراغ القافية؟
وكما في البيت:
سأقبلُ قشرةً إن غاب عمقُ
فسفحُ البحر من محولِ
فالمتعارف عليه لغويًا وعند أرباب الكلمة أن لفظ سفح مقترنة بالجبل لا البحر! ولا يوجد مقارنة مقبولة ما بين القشرة والعمق!
وقد أسمى النص بعنوان «تمر الحياة» وأشار في أحد أبيات القصيدة أن الأحساء تمر الوطن قائلًا:
أيها الأحساء يا تمر الوطن
وغلال العام من غير ثمن
وأنني لأجد تمر الوطن أنسب للنص من تمر الحياة بما أنها تعد من القصائد الوطنية والولاء للأرض..
وتتشكل ظاهرة التكرار في الشعر العربي بأشكال مختلفة متنوعة فهي تبدأ من الحرف وتمتد إلى الكلمة وإلى العبارة وإلى بيت الشعر وتؤدي غرضًا جماليًّا يخدم البيت إذا استطاع الشاعر أن يسيطر عليه ويستخدمه في موضعه وإلا فإنه يتحول إلى مجرد تكرارات لفظية مبتذلة لم يجد توظيفها في النص وهذا ما وقع فيه الجلواح في تكراره المتكلف لصدر البيت دون ضرورة له:
إن أردت الغناء غني بلادي
وهي تعلو بمجدها والبناء
إن أردت الغناء غني بلادي
كل يوم يكون في نعماءِ
إن أردت الغناء غني بلادي
أنجبت صفوةً من العلماءِ
وتعاني بعض صوره الفنية في بعض الأبيات من الضحالة في جودة الخيال حيث يخفق الشاعر في صناعة تشبيه شاعري يقبله العقل ويحرك الفؤاد كما في قصيدته “إلى شاعرة” (ص: 122) حيث يصور عيني شاعرته المحبوبة بقنابل “النابالم”، وهي كما أوضحها في هامش القصيدة أنها نوع من القنابل الحربية الحارقة التي يدخل في تكوينها البنزين وهي محرمة دوليًّا! فانظر إلى أي مدى وصل الجلواح في خياله الفني للتغزل بجمال معشوقته والتغني بعينيها!!
تبقى البيئة الأحسائية حاضرة وبقوة في قاموس الجلواح الشِّعري وتبدو لغته مصطبغة بالتمر والنخيل والمياه فتراه يكرر تركيبة “تمر الحياة، تمر الوطن، تمر النخيل، أرض التمر، تمر خالص، رُطب” مما يترجم مدى تعلقه بالأرض الأم وتنفُّسه عبقها في مفرداته الشِّعريَّة...
في قصيدته “قبول” (ص: 13) يقول:
سأنتظر الشِّفاهَ وقد تغنَّت
بلحن كلامك الصَّافي الأصيلِ
وأُسمعكِ التي قد كنتُ أخشى
عليك لسمعها.. بعض الذُّهولِ
وأمنحكِ الفضاءَ وما احتواهُ
وأمنحكِ الأمانَ بلا أُفولِ
يلاحظ في الأبيات السابقة كيف أن السمع والنطق والعطاء فذلكت العشق وما وصل إليه الشَّاعر من هيمان في بحر الهوى حيث دفعه ذلك إلى سبر أغوار الجمل الفنية الخلاَّقة حتى بدا متفانيًا في عذب الموسيقى وآيات الجمال منثالًا وفاءً للحب والحبيبة لحد الكرم الجنوني بما لا يستطيع فعله فيتوهم فعله فهو يعدها بأنه سيمنحها الفضاء وما احتواه ليستشعرها الأمان بلا غياب!!..
يبدو الشاعر في قصيدة “احتفل بمفردك” (ص: 16) متناقضًا في اللفظ والمعنى مما أوقعه في مغبة المغالطات الفنية والنفسية فهو يطلب في البيت الثامن عشر من صاحبه أن يعش سعيدًا وأن يحتفل بمفرده ويتراجع عن ذلك مناقضًا نفسه في البيت الثالث والعشرين حيث ينهاه عن العيش في الغربة والغربة لا تكون إلا إذا كان الفرد وحيدًا:
عش سعيدًا واحتفل منفردا
كم مضت روحك دون الجسد؟
لا تعش في غربةٍ مستنجدًا
قد خلا في الناس صوت المنجدِ
في القصيدة نفسها يتشكل معجمه اللغوي وقاموسه الشِّعري من ألفاظ ومفردات حُرَّة طليقة ذات دلالات رمزية متشعبة الرؤى تخلق جوًّا حركيًّا يرنو إلى العليا والحرية والانطلاق والتفاؤل كما في (فضاء / كون / كوكب / فرقد / آفاق / الورى / ضوء / الجو / احتفل / البهجة / السعد / يستفيق / الماء / البسمة / الجذلى / زلال / شمس / الغد / بياض / مقمر / عزف / منشد / نور / عيد / الطل / الندي).
وتتماوه أسباب الضرورة النحوية لديه في البيت السابع من قصيدة “الساهرات الليل” (ص: 27) والتي كتبها بمناسبة حفل تكريم المتفوقات من ثانوية القارة حيث استبدل نون النسوة المتعلقة بالساهرات الليل بواو الجماعة دون مسوغ يقبل ويستأنف الخطابات الموجهة في القصيدة بنون النسوة حيث يقول:
يا سليلات الندى، والعلم (حيوا)
ساهرات الليل.. في نوم البرية!!
وكأنه حمى نفسه من انتقاد القراء بوضعه الفعل بين قوسين مما يدل على أن ذلك غير غائب عن نحويته...
ويتأكد التكرار القاتل والمميت للإبداع الفني واللمسات الجمالية في تكراره صدر الأبيات من 16 24 في قصيدته “عرين الشعر” (ص: 37 و 38) دون قيمة بلاغية يستحسنها المتذوق للشعر وهو بذلك يبعث على الرتابة ويثير السأم منها في أذن القارئ والسامع للقصيدة يقول:
فالمؤمنون لهم بالشعر مفخرةٌ
مذ أنزل الله للإسلام قرآنا
ويعدد غير المؤمنين ممن لهم مفخرةٌ في الشعر “العالمون.. العاملون، الحاكمون، الثائرون، المنصفون، الأغنياء، البائسون، العاشقون»!! ويكرر صدر البيت في الأبيات التسعة!!
وقد بدأ قصيدة “وردة النيل” (ص: 49) بنص نثري مثير تمازجت فيه الشَّاعرية بالجمال وتلاقح العشق بالحنين وذكرى الوصال فانثال شعرًا جميلًا ببصمات فنية جمالية قوية ومن ثم يبدأ الوهن يتسرب في أبياتها ويميل للخطاب السردي لينتهي بالرتابة النثرية غير المجدية شعرًا:
رقص الورد فوق خدٍ وجيدٍ
وشفاه ٍ وراح يعزف لحنا
يتهادى بمبسم الشهد بردًا
وسلاما وفي يديها تثنَّى
وتتأنق لغة القصيدة بالألفاظ الرومانسية والمصطلحات التفاؤلية المثيرة للبهجة في النفس كما في (رقص، الورد، خد، جديد، شفاه، يعزف، لحن. يتهادى، مبسم، شهد، برد، سلام، ماء، عيون، سقاه، يرتوي، النيل، قُبلة، شم، ضم، مقلة، عطر، الأجمل).
يتخلل قصيدة “الصوت والصمت” (ص:61) بيتا شعريًا واحدًا للشاعر الفلسطيني “بسام دعيس أبوشرخ” وقد أشار إليه الجلواح في الهامش كإضافة جميلة قبل البيت الأخير فاكتمل جمال النص به واستفرد باللغة الواهنة التي انفجر بين أحرفها بركان الإبداع.
على الرغم من أن الجلواح لم يجد في خلق الصور الفنية في بعض الأبيات ولديه مغالطات لا يستسيغها الفن كتشبيهه عيني حبيبته بقنابل النابالم والشذى ينسبه للعسجد وخشبة التابوت في عينيه تنمو من غياب حبيبته غير أنه أبدع وأجاد التصوير في أبيات أخرى واستطاع أن يرسم لوحة فنية متكاملة الرؤى مشبعة العناصر الجمالية كما في قصيدته “عرين الشعر” (ص:37):
يا أيها الشعر بدِّل لون أوردتي
إني زرعتك في الأعماق شريانا
فأنت ملحمة الدنيا وقصتها
وصوتها وكتابٌ شَعَّ إيمانا
وفي موقع آخر يقول في قصيدة “يوم الوفاء” (ص: 78):
سلامٌ للثمار وقد تدلَّت
بحُضْن العمر في روضِ النَّماءِ
فأينعَ قطفها مجدا تليدًا
وكان المجدُ عنوان البناءِ
ما بين قصيدتي “اشتعال” (ص:81)، و”الحب الغزير” (ص:99) يتوحد النغم الموسيقي والغرض الشِّعري وتنساب الوحدة العضوية للنص في تكامل متتالي في القصيدتين اللتين جاءتا على نسق قصيدة “جربيني” لشاعر العرب الأكبر “محمد مهدي الجواهري”: فالجواهري يقول:
جربيني من قبل أن تزدريني
وإذا ما ذممتني فاهجريني
ويقينا ستندمين على أنك
من قبل كنت لم تعرفيني
والجلواح في اشتعال يقول:
أمطريني رسائلًا أمطريني
وإذا كنتُ ناسيًا ذكّريني
وفي الحب الغزير يقول:
عنفيني إذا قرأت حروفي
واطرديني إذا ارتكبتُ كبيرًا
في مقطوعته الإخوانية “حرزيات وجلواحيات” (ص39+94) يظهر لديه التلاعب باللغة واستسهال مطية الشعر واستخفاف الخيال الفني الإبداعي بإيراد بعض الصور الركيكة البنية التي تكاد تخلو من الشاعريَّة عند شاعرين كبيرين كالجلواح وزميله ناجي الحرز فيما قاله ناجي للجلواح:
أبا الجلواح لا يستطيع شيءٌ
كبُعدِك أن يُعكِّر لي مزاجي
فيأخذني الحنين إليك أخذا
كفعل الريح في ريش الدجاجِ
ويرد عليه الجلواح:
فإن تأتي فدفءُ الحب يأتي
بنورٍ فاق أنوار السراجِ
ولكني بعيدٌ يا عزيزي
كبُعدِ الهمس عن سوق الحراجِ
وللقارئ أن يتأمل في صورتي الشاعرين “كفعل الريح في ريش الدجاج،، وكبعد الهمس عن سوق الحراج”؟
تمخضت شاعريةُ محمد الجلواح وتخضبت عطرًا في تخميسه لبعض أبيات الهمزية النبوية لشاعر العربية الكبير “أحمد شوقي” والمؤرخة ب(15/3/1427ه) فتطايرت العبارات المعتقة بالجمال الفني والصدق الحسي ووهج المشاعر المصطبغة بالدين ومفردات العالم العلوي وما وراء المحسوس حيث منحت النص قوة جمالية ذات دلالات انتقائية في تجربته الفنية مع الشِّعر خلال مسيرة نصوصه في ديوانه المقروء “نزف” كما في (الروح، الأمين، الكائنات، العرش، الشموس، جلال، الكون، أضواء، روض الجنان، حوراء، قدسية، صحائف، آدم، الملائك، اللوح، السورة، دعاء، سنا، مهد النبوة).
وكعادته في كثير من قصائده المناسباتية يشطح به إرضاء الآخر للسردية واللغة المباشِرة التقريرية البعيدة عن الشِّعر والشَّاعرية فينسى شاعريته ويمضي ناثرًا كما في قصيدته “مصافحة الحرف” التي نظمها بمناسبة حفل تكريم عدد من زملائه المتقاعدين في شركة الاتصالات السعودية بالأحساء.. حيث يقول:
أتينا لا نقول لكم وداعا
ولكنا نقول إلى اللقاء
فأنتم صفوةٌ كدحت وجدَّت
إلى الرزق الحلال إلى النماءِ
وكذلك في قصيدته “أغلى من الذهب” التي نظمها بمناسبة افتتاح فرع مصرف بنكي.
وفي موضع آخر مغاير يتأنقُ الجلواحُ شِعْرًا ويترنم بأبيات غزل في “لارا” حيث الإيقاع الرومانسي المموسق الذي يثير القلب اشتياقًا ويمنح الروح انتشاء من خفَّة التنغيم الصوتي في مجزوء الرَّمل المستساغ في الأغراض الرومانسية فيقول بخفَّة الشِّعر:
لوني العتمة ضوءًا
وانشري الجوَّ بهاء
أشعلي الروح فأنتِ
فتنةٌ لِلشُّعراء
وكأن الهوى الدمشقي عند الجلواح يبدو أخف وأكثر رقة من الحب المصري إذ في قصيدة لارا الدمشقية يكتبها بمجزوء الرمل المستساغ عاطفيًّا ويرد المفردات الرقيقة الرنانة بإيقاعٍ سلس “لوني، اشعلي، انشري، ضوء، بهاء، الروح، فتنة، الشعراء، رفرف، القلب، حسن، الورد” بينما يكتب في صباح المصرية بوزن بحر الوافر الكامل التفعيلات ويمضي فيها بألفاظ ثقيلة على الأذن “تداهم، تطرز، يغلف، يشاغب، الخسر، الحبس، جراح”. (ص: 126 + 127).
تضجُّ رثائيَّتُه “موتٌ دون خروج الروح” التي كتبها في موت حفيده وأهداها لكل المفقودين في الأرض بالأسى وتُجلجِلُ عاطفته النَّاضِحة صدقًا قلوبَ الوالهين بِفراق الأعزَّاء ويتعمَّق في فذلكة الصور الفنيَّة الخاصة بوالدة المتوفي ويسترسل بانسياب العاطفة المتدفقة حزنًا في وحدة متكاملة للنص بتتالي الأفعال الآنية المضارعة وكأنه رهين اللحظة الدَّامِعة “تكاد / تترك / يقتل / يفتش / تمسك / تذوب يحرق”.. حاويًا مفردات الفقد والكآبة المعتقة بالأسى “ضياع / أسر / غاب / دموع / ثكل / تكتوي / جحيم / الموت / تيه / يؤرق”.
وكحال المفجوع الفاقد يكرر الشاعر الأسئلة والاستفسارات والتعجب بجمل إنشائية تساهم في خلق تراكيب لغوية تترجم الموقف ويختم القصيدة بانقلابه تفاؤلية فيحيل السواد بياضا بابتسامةٍ بيضاء للناظرين..
وفي الختام تقبعُ مجموعةُ “نزف” الشِّعريَّة للشاعر “محمد الجلواح” في ظلِّ المناسباتيَّة والإخوانيَّات التي شطحت بها نوعًا ما عن شِعريَّة الشِّعر وجماليَّاته الفنيَّة إذ سيطرت قصائد المناسبات والإخوانيات على أغلب قصائد الديوان حيث بلغت ما يقارب 22 قصيدة من أصل 60 منها خاض بها في خِضَمِ إرضاء أصحاب المناسبة وسرد الشِّعر بالكتابة التقريرية وخطابية الأسلوب بينما تناثرت البقية الباقية ما بين الوطنية والدينية والرثاء والتأملات الفكرية والنفسيَّة التي لا نتجاهل قيمتها الفنيَّة ولا نتنكر شاعريته فيها و على الرغم من أن الجلواح لم يضف الجديد في “نزف” غير أنه أضاف ديوانًا جديدًا لمكتبة الشِّعر العربي يستحق القراءة والتعليق عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.